منتدى العلوم الإنسانية لجامعة تبسة



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى العلوم الإنسانية لجامعة تبسة

منتدى العلوم الإنسانية لجامعة تبسة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى يهتم بكل الشؤون التربوية و العلمية للطلبة و تقديم الدعم و المشورة في كل ما يخص مشوارهم الجامعي


    محاضرات في تاريخ الجزائر2

    saddar1974
    saddar1974
    Admin


    عدد المساهمات : 20
    تاريخ التسجيل : 04/02/2010
    العمر : 49

    محاضرات في تاريخ الجزائر2 Empty محاضرات في تاريخ الجزائر2

    مُساهمة  saddar1974 الأحد مارس 14, 2010 4:14 pm

    ردود الفعل الجزائرية تجاه الاحتلال الفرنسي
    دور حضر الجزائر .
    تمهيد/
    إن الدارس للاحتلال الفرنسي للجزائر و ما ترتب عنه من نتائج و بالخصوص ردود الفعل الجزائرية يخلص على حقيقة هامة و هي سمة الاستماتة التي أبداها سكان الجزائر العاصمة وما جاورها من قرى و مداشرالى مشاركة باقي المناطق الأخرى من الوطن باختلاف الزمان و المكان ضد المحتل الفرنسي الدخيل منذ جويلية 1830الى جويلية 1962، و أن الشعب الجزائري لم ييأس و لم يمل من رفضه للتواجد الفرنسي مستعملا الوسائل العديدة و الإمكانات المتاحة بحسب الظرف الزمني لمقاومة الاحتلال .
    ولعل من خصائص الرفض الجزائري للاحتلال الفرنسي هو قدرة الجزائريين على الاستفادة من تجارب الماضي و تراكمات الأجيال ، و قد تجسد ذلك في فترة المقاومة الشعبية الممتدة ما بين 1830و 1871 برغم وجود بعض المحاولات السياسية التي ظلت محتشمة ولم ترقى إلى الحصول على المطالب التي رفعها الشعب الجزائري وقتها و الممثلة في رفض الوجود الفرنسي في الجزائر ، هذا في حين امتازت الفترة ما بين 1871 و 1926 بوجود إرهاصات مهمة برزت في التحول الى العمل السياسي المنظم الذي تجسد فيما بعد في بروز الخريطة السياسية الوطنية المنظمة بكل أطيافها ، و التي عاد لها الفضل الكبير في تنظيم المجتمع الجزائري و السير به نحو المطالب الوطنية بعد أن تبلور المطلب الاستقلالي بعد ميلاد نجم شمال إفريقيا سنة 1926 بباريس .
    1/ مفهوم حضر الجزائر :
    يقصد بالحضر الشريحة الجزائرية التي كانت تملك من الثروة و الجاه و تمثل أعيان الجزائر العاصمة و مهاجري الأندلس ، ولكنها تحتل المرتبة الثالثة سياسيا بعد فئة الأتراك و الكراغلة خلال الفترة العثمانية في الجزائر مع العلم أن هذه الشريحة لم تطمح إلى تولي المناصب السياسية بقدر ما كانت تمثل فئة التجار و الزراع في سهول منطقة متيجة ، مع وجود بعض الإستثناءات للحضر الذين تولوا السلطة مثل عائلة حمدان خوجة التي كانت قريبة من دار السلطان بل كانت تعمل مع طاقم الداي حسين و هو آخر الدايات الذين حكموا الجزائر .
    2/ دوافع اهتمام فرنسا بفئة الحضر :
    لقد نسقت الإدارة الاستعمارية جل جهودها مع هذه الشريحة من المجتمع الجزائري منذ تواجدها في القصبة بغية تكسير بنية المجتمع و الاعتماد على عامل التفرقة و تجزئة المجزأ ، وذلك بعد أن شعرت بأن طبقة الحضر من الداعين لعودة الحكم الإسلامي و الحفاظ على قيمه ، هذا فضلا على نقمة هذه الشريحة على الأتراك ، و لذلك فلا غرابة من أن نجد أن الإدارة الفرنسية قد أبعدت العنصر التركي و عوضته بالحضر و منحت لهم بعض المناصب و تولوا الإدارة و وصلوا إلى المناصب الهامة وقتئذ و من أمثلة ذلك تولي أحمد بوضربة أمين السكة المجلس البلدي بالعاصمة ، و باي التيطري لمصطفى بن عمر .
    و كان الغرض من كل ذلك هو تهدئة المقاومة الجزائرية و ربح الوقت لفرنسا من أجل ترتيب شوؤنها في الجزائر مع بداية الاحتلال ،و كل ذلك ما كشفت عنه الأحداث لاحقا بعد تجريد الحضر من ممتلكاتهم و أرزاقهم ، بل عملت فرنسا على تأميم أراضيهم التي تعرضت للاعتداء و النهب من قبل الجيش و قواده ،برغم ما تضمنته معاهدة الاستسلام من بنود و التي أبرمت بين الداي و القائد الفرنسي في 5 جويلية و التي تنص على احترام ممتلكات الجزائريين .
    3/ موقف الحضر من سياسة الاحتلال :
    لم يكن الحضر من جماعة المرابطين الذين أعلنوا الجهاد ضد فرنسا كما فعلا الشيخ محي الدين وابنه الأمير عبد القادر ، و لم يكونوا زعماء قبائل كما فعل بن زعمون في منطقة متيجة ، و لم يكونوا من بقايا الإدارة العثمانية كما فعل باي التيطري بومزراق و أحمد باي في بايلك قسنطينة ، بل كانوا طبقة متميزة ثرية بالأمس و فقيرة بعد ما جردت من كل أموالها و أرزاقها فيما بعد أي بعد الفترة الأولى من بداية الاحتلال .
    و قد عبرت هذه الفئة في الكثير من الأحيان عن تذمرها و استنكارها من سياسة الإدارة الاستعمارية المنتهجة في حقها ، و ذلك عن طريق الشكوى و تقديم العرائض ة البعث باللوائح و كذا الاتصالات المباشرة و غير المباشرة بالسلطة الفرنسية سواء في الجزائر أو في باريس و من أمثلة ذلك الإسهامات التي قام بها حمدان بن أمين السكة في الكثير من لقاءاته بالفرنسيين بسبب كثرة التهم الموجهة إليه على أنه من دعاة عودة الحكم الإسلامي في الجزائر بحسب ما أشار إليه الدكتور أبو القاسم سعد الله .
    كما تذكر الكثير من المصادر التاريخية أن طبقة الحضر التي هاجرت إلى فرنسا عنوة أو طواعية كونت لنفسها فيما بعد حلقة متميزة من المعارضة و نسقت الجهود مع كل الجزائريين المنفيين مناك بغية تقوية الصف ، و من الأسماء اللمعة في ذلك التحرك السياسي الهام في مرحلة عويصة من تاريخ الجزائر بعد الاحتلال نذكر حمدان بن عثمان خوجة و بن عمر. و ظلت الكثير من هذه الوجوه محافظة على مواقفها بل متشبثة بمقوماتها الدينية و الوطنية برغم كثرة الدسائس و سياسة الإغراء و الاستمالة التي انتهجتها فرنسا مع هذه الوجوه الجزائرية الثائرة بمواقفها السياسية .
    4/ بعض الوجوه البارزة في طبقة الحضر :
    1/ المفتي الحنفي بن العنابي :
    لقد عاصر هذا الشيخ الجليل الحملة الفرنسية على الجزائر ، و قد هاله ما كان يجري في البلاد لأنه و رآه منافيا لشروط التسليم من جهة ، ومن ة يتنافى و مبادئ الثورة الفرنسية التي كانت فرنسا تتبجح بها دوما ، ولم يبق بن العنابي مكتفى الأيدي و راسل القائد العام كلوزيل في العديد من المرات حول الموضوع ، وفتح معه قضية تنكر الإدارة الفرنسية لبنود معاهدة الاستسلام التي تم الاتفاق فيها بين الطرف الجزائري و الفرنسي و من بين بنودها احترام فرنسا للطرف الجزائري ، كما أبلغه بالعواقب التي سوف تنجر عن ذلك ضد فرنسا نتيجة تهورها السياسي ، و أن ذلك لا محال سوف يشكل خطرا على أمنها في الجزائر . و الظاهر أن بن العنابي لم يجد المناورة السياسية و عبر عن ردود أفعاله بكل وضوح مما جلب له الكثير من المتاعب من قبل فرنسا ، واتهمته فرنسا بالتآمر ضدها و تحريض العامة عليها لما كان له من الاحترام الديني بين سكان الجزائر العاصمة و ما جاورها ، و قامت الإدارة الاستعمارية بسجن بن العنابي ، بل نفته إلى المشرق العربي رغم الوساطة التي قام بها حمدان خوجه مع القائد العسكري كلوزيل ، ولو أنها لم تفلح ، و كان هدف حمدان هو إبقاء زميله المفتي كي يجده سندا له في الدعوة و المقاومة السياسية ولو أنها ظلت محتشمة مقارنة بالمقاومة الشعبية الجهادية .
    2/ أحمد بوضربة :
    يعد من أعيان الجزائر العاصمة و أكبر تجارها ، كانت اه علاقات وطيدة بحمدان خوجة ، كما كانت له إسهامات كبيرة في المفاوضات الجزائرية الفرنسية فبيل إبرام معاهدة 5 جويلية ، ويقال عنه أنه تفاوض لتسليم دار السلطان للفرنسيين لاقتناعه وقتها أن الوجود الفرنسي وجود مرحلي ذاهب لامحال ، و أن مجيئه الى الجزائر بهدف تحرير الجزائريين من ربق الأتراك و الاضطهاد الذي كانوا يلاقونه في العديد من المرات على أيدي بعض من الحكام الذين كان شغلهم الشاغل لجمع الإتاوات و رفع الضرائب
    لذلك كانت لبوضربة علاقة جيدة مع دوبورمون. هذا الأخير هو الذي ولاه رئاسة أول مجلس بلدي للجزائر العاصمة ويعد أيضا من مستشاريه السياسيين ، كما أولاه القائد الفرنسي كلوزيل إدارة أملاك مكة و المدينة وهي أحباس لها مكانتها في العمل الخيري للمهاجرين الجزائريين و العرب في دول المشرق العربي و خصوصا أثناء أداء فرائض ومناسك الحج و العمرة و احتياجاتهم الماسة لمثل هذه المعونة .
    كما اتهمه الفرنسيون بأنه ترأس لجنة المغاربة التي كانت تعمل لصالح عودة الحكم الإسلامي في الجزائر ، وكان بوضربة سريع التأثير على الجالية الجزائرية و المغاربية في المهجر ، وكل ذلك ألق الدوق دوروفيقو الذي تولى حكم الجزائر و غير من نظرته تجاه طبقة الحضر ، بل اعتبرهم حلقة مخيفة ضد المصالح الفرنسية في الجزائر ، و أنهم يشكلون خطرا على مستقبل التواجد الفرنسي بالمنطقة و على مستقبلها وقرر التخلص منهم و نفى الكثير منهم إلى فرنسا ، مع العلم أن بوضربة كانت له نشاطات مكثفة مع اللجنة الإفريقية التي زارت الجزائر في جويلية من سنة 1833 للوقوف عند أحوال المستعمرة ولو أن هذه الزيارة كانت لصلح فرنسا لأنها كللت فيما بعد بتقديم المعلومات الكافية و الدقيقة عن الوضع في الجزائر ومن نتيجة ذلك قناعة الفرنسيين بمستقبلهم الذهبي في المستعمرة البكر ومن نتائج ذلك صدور المرسوم الملكي القاضي بإلحاق الجزائر بفرنسا سنة 1834 و الإبعاد النهائي عن مرحلة التردد التي ظلت جلية لدى ساسة فرنسا .
    3/ حمدان خوجة :
    يعد من بين أثرياء الجزائر العاصمة تربى في بيئة علمية و اجتماعية مرموقة ،تعلم العديد من اللغات فأكتسب الخبرة الواسعة ، أخذ عن والده الأستاذ في الشريعة و العالم بقضايا الساسة وكان كاتبا عاما للدولة ، سافر حمدان برفقة والده و بمفرده إلى دول عديدة مشرقية و أروبية و عاصر الكثير من أحداثها ووقف مليا عند حيثياتها .
    وعند احتلال فرنسا للجزائر كان حمدان حاضرا و عايش الوقائع ، و كان حمدان محل ثقة الداي حسين ولذلك فقد تولى التفاوض مع الفرنسيين ، كما أشرف خلال عهد كلوزيل على تقرير تعويضات الأملاك المصادرة .كما تولى ملف ديون اليهود في الجزائر ، و شؤون مراسلات بومزراق مع فرنسا ، وبرغم ذلك كله فقد ظل حمدان من المقاومين و المدافعين عن القضية الوطنية و كان ساخطا على سياسة كلوزيل المتقاربة و الخادمة لليهود و المحافظة على مصالحهم ، برغم ما تعرض له هذا الأخير من محاولة جلب و إغراء بعد أن أعاد له كلوزيل بعض من أملاكه المؤممة ، كما كلفه القائد الفرنسي بالتفاوض مع الحاج أحمد باي الثائر في بايلك الشرق بغرض الاعتراف بالسيادة الفرنسية ، وكل ذلك لم تمنح فرنسا كل ثقتها في خوجة و ظلت تتابعه و تتحرى كل نشاطاته .
    و في ماي من سنة 1933 دافع حمدان عن القضية الجزائرية أمام الرأي العام الفرنسي و العالمي وتعاون مع الجالية الجزائرية في فرنسا ومع العديد من المنفيين بباريس للضغط على حكومة فرنسا و برلمانها ،كما ساهم في اللجنة الإفريقية من أجل توضيح القضية الجزائرية ، و أرسل مذكرة لحكومة فرنسا عن حالة الجزائر المزرية ، و أبلغها إلى المارشال سولت وزير الحربية ، ومن جملة مطالبه تكوين لجنة للتحقيق فيما آلت إليه الجزائر ، وكانت مطالب خوجة واضحة تصب في ضرورة تمتع الجزائريين بكل حقوقهم ، بل لجأ أيضا إلى الإسهام في الكتابة لتنوير الرأي العام ودون المرآة التي تعد بالفعل مصدرا ثريا عن حالة الجزائر وقتئذ . لكن آمال خوجة لم تتحقق ففي 26 سبتمبر كان مصيره مصير زملائه و طرده كلوزيل من الجزائر بعد أن اتهمه بالتآمر ضد مصلحة فرنسا ونفي إلى فرنسا ثم عاش في إسطمبول التي وجد بها راحة البال و الضمير، و بنفي خوجة انتهت حركة لجنة المغاربة التي كانت تضم العناصر المثقفة و رجال المال و التجارة ، لكن رومانتيقية خوجة و اعتدال بوضربة وعدم وجود قاعدة شعبية قد ساهم كل ذلك في إجهاض ردود الفعل الجزائرية من الوجهة السياسية ، و التف الجميع حول ضرورة العمل بالمقاومة المسلحة التي تركت بصماتها هي الأخرى على صفحات تاريخ الشعب الجزائري خلال القرن التاسع عشر ، و كانت بحق مرحلة مضيئة من بسالة و استماتة الجزائريين ضد الغزاة الفرنسيين الذين تنكروا للعرف الدولية و احتلوا الجزائر عنوة و خرجوا منها عنوة .
    المصادر و المراجع المعتمدة في المحاضرة :
    1/ أبو القاسم سعد الله ، محاضرات في تاريخ الجزائر بداية الاحتلال.
    2/ نفسه ،شيخ الإسلام المفتي بن العنابي
    3/ نفسه ، الحركة الوطنية، القسم الأول
    4/ عميراوي حميدة ، دور حمدان خوجة في تطور القضية الجزائرية .
    5أرجمند كوران ، السياسة العثمانية تجاه الاحتلال الفرنسي للجزائر .
    6/ محمد بن العنابي ، السعي المحمود في نظام الجنود
    المحاضرة الخامسة :

    نماذج من المقاومة الشعبية المنظمة
    وانعكاسها على القضية الوطنية .
    تمهيد /
    هناك العديد من الأسئلة التي لا تزال تطرح من حين لآخر للتشكيك في مدى صدق المقاومة الشعبية ، وهل هناك بالفعل ردود أفعال جزائرية قاومت الاحتلال ؟ أم أن ردود الفعل اقتصرت على دار السلطان و بعض القبائل المجاورة للعاصمة .؟وماهي الأسباب التي جعلت بعض زعماء المقاومة يعملون بمفردهم وعدم التنسيق مع باقي المقاومات التي ظهرت من حين لآخر في ربوع عديدة من الوطن بما فيها أقاليم الصحراء .؟وهل مقاومة الأمير عبد القادر كانت رافضة لمقاومة أحمد باي في بايلك الشرق ؟ وهل الاختلاف في وجهات النظر بين الزعيمين كانت سلبا على المقاومة الوطنية ، و هناك المزيد من هذه الأسئلة التي لا تزال تبحث عن الإجابة المقنعة التاريخية و الموضوعية .
    1/نماذج من المقاومة :مقاومة الأمير في الغرب و أحمد باي في الشرق:
    لعل الدارس لمرحلة المقاومة الشعبية في الجزائر خلال القرن التاسع عشر يجدها متنوعة جغرافيا و حدثيا و نتيجة ، و لا يمنكن الإلمام بها في مداخلة ، بل تحتاج إلى العديد من المحاضرات حتى تتم معالجة الإشكالية بكل وضوح ، و تذكر العديد من الدراسات التاريخية أن ردود الفعل الشعبية كانت صادقة مع نفسها ضد الاحتلال الفرنسي و أ، فترة 1830إلى 1871ميزتها الانتفاضات المتكررة التي أجمعت كلها على رفض الوجود الفرنسي فوق تراب الجزائر ، و إن اختلفت في خصائصها و ووسائل عملها بحكم قوة و ضعف كل انتفاضة.
    ونحن هنا لايمكن أن ندرس جل الانتفاضات بقدر ما نحاول التركيز على نموذجين هامين من هذه المقاومة لمكانتهما في التاريخ العسكري الجزائري الحديث وهما مقاومة الأمير عبد القادر في الغرب و الحاج أحمد باي في الشرق ومدى تأثير ذلك على العلاقة الفرنسية الجزائرية من جهة ومع الباب العالي من جهة أخرى ، فالمقاومة التي أعلنا الأمير كانت تنتسب إلى طريقة دينية رفعت لواء الجهاد في سبيل الله وطرد الكفار و الحفاظ على الدولة الإسلامية و تثمين مقوماتها التي ظل بعضها غائبا في أواخر العهد العثماني،و من ثم سعى الأمير إلى وضع أسس الدولة الجزائرية الحديثة ، هذا في حين كانت مقاومة أحمد باي تحلم ببقاء الحكم العثماني في الجزائر ،و نود هنا أن نلقي ولو نظرة موجزة عن طبيعة العلاقة بين جهاد الأمير المفعم بالحركية الدينية و المنتسب لفكر الجزأرة و مقاومة الحاج المرتبطة أساسا بالباب العالي و نفر من الكراغلة وبعض من فئة الحضر.مع الإشارة إلى جملة من الانعكاسات التي ترتبت على ذلك من دون التركيز على تفاصيل وحيثيات المقاومة .
    2/أسباب التوتر في العلاقة بين الأمير و أحمد باي :
    لعل الدارس لهذه العلاقة بين العائدين يجدها في الكثير من الأحيان تكاد تكون طبيعة لعوامل عدة سوف نعالجها في النقاط التالية :
    أولا : العامل البسيكولوجي :
    هناك اختلاف كبير في المكونات الشخصية لكلا الشخصين بحكم طبيعة الموقع الاجتماعي و الجغرافي لكل واحد منهما ، فالأمير كان لا يميل إلى العنصر التركي و لا يطمئن إلى جماعة الكراغلة و لا يثق في موظفي البايلك ، وذلك بسبب انتمائه للطريقة القادرية التي ورثها عن والده و هو ابن زاوية هذا من جهة ، ومن جهة أخرى انتسابه لقبيلة هاشم العربية القحة الأصل ، وكل ذلك مكنه من الإلمام بالثقافة العربية و المقومات الدينية الإسلامية وتربى على الرجولة التي ظلت في وجه الظلم ضد السلوكيات المشينة التي سلكها حكام البايلك و أعوانه من القياد و الأعيان و الانتهازيين و أصحاب الامتيازات على حساب مستقبل الوطن .
    ومن تم اعتبر الأمير فشل الداي في التصدي لاحتلال الجزائر بمثابة نكسة وهي بداية نهاية ارتباطا الجزائر بالباب العالي ، ومن تم أبطل الأمير في دولته الناشئة جميع الامتيازات التي كانت للأتراك و حتى الكراغلة لأن ذلك في نظره يعد من عوامل فساد المجتمع الجزائري ووجود ثغرة للاحتلال ، ولعل ما نلمس ذلك من خلال مراسلة الأمير التي وجهها إلى السلطان العثماني عبد المجيد جاء في مضمونها أن توسع فرنسا في البلاد الجزائرية كان مرده للتعاون الواضح الذي أبداه الكراغلة و الحضر مع الإدارة الاستعمارية للحفاظ على تواجدهم في هرم الدولة المستعمرة بغية حفاظهم على مصالحهم الضيقة وذلك كان على حساب المصلحة الجزائرية.
    أما الحاج أحمد باي فقد كان يرى ضرورة الحفاظ على بايلك الشرق و ربط الجزائر دوما بالدولة العثمانية بسبب كونه كرغليا وتوليه بايا على إقليم قسنطينة منذ 1826 ، وطموحه الدائم للقب الباشا جعله يتمسك بكل ذلك حتى بعد هزيمته أمام فرنسا سنة 1837 بعد فك الحصار على قسنطينة و سقوط أسوارها .كما كانت خطة أحمد باي واضحة في تعاونه مع جماعة الحضر و بعض من أعيان قسنطينة منهم عائلة الشيخ الفقون ذات الشهرة الواسعة ،لذلك لا غرابة أن نجد مواقف الرجل حازمة و لا تعرف التردد وكان لا يثق في أقرب المقربين إليه للحفاظ على زعامته ، إذ قتل رسول باي التيطري الذي جاء يطلب من منه دفع الضريبة لباي التيطري بومزراق ، هذا الأخير الذي اعتبر نفسه دايا على الجزائر بعد تسليم دار السلطان ونهاية حكم الداي حسين ، و كانت صراحة أحمد باي قد كسبت له الكثير من الأعداء أكثر ما كسبت له الأصدقاء فقد عبر في الكثير من المرات عن رفضه لزعامة الأمير ، بل ألصقها تهما منها قوله : إن هناك منافق يعرف بعبد القادر بن محي الدين و يدعي الشرف ظهر في الغرب .وبنفس النظرة تقريبا عبر حمدان خوجة المتعاطف مع الحاج أحمد باي وكتب حول الأمير يقول : و من جملة ما فعل هذا المرتد أنه تحيل على أن يظهر واحدا من العرب بحبه للفرنسيين لعل أن يسلموا له البلاد ..
    ثانيا :المكانة الاجتماعية :
    لا يمكن إهمال الجانب الاجتماعي من الدراسات التاريخية ، إذ يعد من بين العوامل الفاعلة في الحد ث و مدى قوة أو فشل نجاحه ، وهذا يظهر جليا في طبيعة الاختلاف الذي ميز حركة المقاومة التي خاضها كل من الأمير و أحمد باي لاختلافهما الاجتماعي ، فبرغم مكانة الكراغلة و الأتراك و حتى اليهود في القيمة الاقتصادية و أحيانا في المكانة الثقافية إلا أن نشاط هذه الجماعة اقتصر على المدينة أكثر من انتشاره في الريف الذي كان يشغل قرابة 95 % من مجموع سكان الجزائر ، ومن تم كانت مقاومة أحمد باي قد تركزت في المدينة مثل قسنطينة و عنابة عكس مقاومة الأمير التي ربطت بين الريف و المدينة و اتصفت بالطابع الشعبي و التعبئة الواسعة حتى استمر عمرها 17 سنة كاملة ، وهناك خاصية أخرى ميزتها مقاومة الأمير و هي الدفاع عن الأرض و الملكية و هما عنصران أساسيان في ديمومة المقاومة وهذه الصفة ضعيفة جدا في المدينة
    ونجد هذه الخاصية في المراحل الأولى للمقاومة لذلك برغم احتلال القائد الفرنسي كلوز يل لمنطقة معسكر في ديسمبر 1835، و تلمسان في شتاء 1836 ، فإن مقاومة الأمير ظلت متواجدة لارتباطها بعامل الريف و القرى المجاورة ، و هذا ما ميزته أيضا مقاومة أحمد باي في لإقليم الزيبان بعد سقوط مدينة قسنطينة سنة 1837 ، باعتبار أن الكثير من القبائل احتضنت مقاومة الجنوب .
    كما أن أحمد باي لم يول في منهجه الإستراجي العسكري بالبعد الديني و تعزيز العلاقة الدينية و الروحية مع شيوخ الطرق الصوفية ، وهذا عكس الأمير الذي أسس مقاومته على البعد الروحي الجهادي ، وقد كشف أحمد باي عن مدى تخوفه من البادية في مراسلة له لحاكم طرابلس يقول فيها : إننا إن مكثنا بالبادية و طال عنا الأمر يحصل لهم الملل و الوطن دخلته رائحة الكفر و أهل البوادي ضعفاء القلوب لا سيما و ابن محي الدين هو الآن في إعانة العدو .لكن الإدارة الاستعمارية تفطنت للدور الذي يقدمه الريف في دعم المقاومة منذ الوهلة الأولى لتواجدها في الجزائر ، و اتضح ذلك في مخططاتها التدميرية لإبعاد الريف عن المدينة ، و انتهاج سياسة الأرض المحروقة التي باشرها القائد العسكري بيجو بعد توليه الحكم، و استطاع بذلك إجهاض مقاومة الأمير بل إنهائها و القضاء عليها سنة .1848 .
    3/ الظروف السياسية :
    هناك العديد من الظروف السياسية التي تحكمت في نوعية العلاقة بين الأمير و أحمد باي ، و قد تخوف كل طرف من الآخر بما كان يطمح إليه كليهما، فأحمد باي كان في اعتقاده أنه بإمكانه إنقاذ الإقليم الشرقي من الجزائر و حصر الخطر الفرنسي على السواحل ، في حين ظلت المناورة الفرنسية البسيكولوجية سارية على أن فرنسا جاءت لتأديب الداي حسين على فعلته مع دوفال ، حتى يوهمون الباي بذلك علما و أنهم قد اتصلوا به أثناء الاستعداد للحملة كي يبقوه حياديا هذا من جهة ، و من جهة أخرى أن الإدارة الفرنسية أجرت معه بعد الاحتلال مفاوضات تساوميه عن طريق قنصلها العام بتونس دي لسيبس، و قاضي عنابة السابق المدعو خليل و المقيم ببنزت ولو أن هذا الأخير عرف اللعبة الفرنسية و لم ينجر لذلك ورفض الدخول في اللعبة القدرة .
    كما أن أحمد باي لم يمركز جهوده مع بقايا الكراغلة و الأتراك و حتى المعجبين بهم في باقي البيالك الأخرى و خصوصا في بايلك التيطري الذي كان يحوى العديد من الكراغلة ، كما كانت علاقته ضعيفة إلى حد ما مع طرابلس و حتى تونس القريبة منه جغرافيا ، واعتمد على جهوده في المقاومة ، و التي لم تكن كافية ، مع العلم أن بايات تونس قد تحالفوا في العديد من المرات مع فرنسا ضد المقاومة الشعبية في الجزائر ، و إبرام فرنسا للعديد من المعاهدات معهم ضد الجزائر منذ ديسمبر 1830 .و أما الأمير فقد كانت مساعيه أكثر دبلوماسية فقد حاول ربط علاقاته مع تونس و أرسل لها هدايا عن طريق ممثله الحسين بن عزوز و أحمد بن سالم و مساعي مصطفى بن التومي للحد من توسع فرنسا في الإقليم .
    4/ موقف أحمد باي من معاهدتي دي ميشال والتافنة:
    مما لا شك فيه أن الأمير كان يهدف من وراء إبرامه لمعاهدتي دي ميشال في 26فيفري 1834 و تافنة في 30 ماي 1837 مع الإدارة الفرنسية هو كسب رهان الوقت ،و ربط العلاقات الخارجية ، و بالتالي تحديث الجيش و بناء أسس الدولة الجزائرية الحديثة ، و يعد ذلك اعترافا رسميا للأمير بالسيادة الجزائرية . لكن قراءة أحمد باي للظرف كانت عكس رؤية الأمير ، و اعتبر الهدنة عدائية ضده وهي تفرغ الإدارة الفرنسي لتولي شؤونه و القضاء على مقاومته ، واتضح ذلك في رسالة وجهها لأحمد باي لأحد أعيان الدولة العثمانية يقول فيها : إن العدو أبرم السلام مع عبد القادر ، و أحد شروط هذا السلام أن عبد القادر متفق تماما مع العدو على القضاء على كل أثر بالبايلك ، و كان الباي دائما يسوء الظن في الأمير و يتصوره بالمتحالف مع فرنسا ضده و نلمس ذلك من خلال مراسلة هذا الأخير للباب العالي سنة 1838 و هو في إقليم الأوراس ، ومما تضمنته رسالته قوله : عبد القادر انظم للفرنسيين قائلا لهم إذا منحتموني قسنطينة و مقاطعتها فإنني آتي لكم بالحاج أحمد باي حيا ، و قد أجابه الفرنسيون عندما تسلم لنا الحاج أحمد باي فسوف نعطي لك قسنطينة و مقاطعتها ..
    5/ موقف الأمير عبد القادر من سقوط قسنطينة :
    برغم المقاومة المستميتة التي عرف بها جيش الباي في الشرق ، إلا أن الاختلاف في العدة و العدد بينه و بين الفر نسيين جعل الهزيمة تكاد تكون منطقية خصوصا عندما نقيم عمرها و محدودية الوسائل التي أتيحت لها، وكذا الظروف المحيطة بها ، وكان لحصار قسنطينة في فبراير 1836 و سقوطها في أكتوبر1837أثرهما في تدني معنويات الباي ، هذا في الوقت الذي كان يرى فيه الأمير حسب دراسة هنري تشرشل أن حصارو سقوط قسنطينة كان لصالحه، و أن انهزام الباي وسع آفاق توسع الأمير باتجاه الشرق .
    كما أن انهزام فرنسا أمام ضربات الباي في أسوار قسنطينة في خريف 1836 مكن الأمير من فرض بعض شروطه و كذا إبرامه لمعاهدة تافنة ، ومن تم استغل الأمير لإخماد ثورة بايلك الشرق ، كما أن ضعف الأمير تجلى في موقفه المحايد من سقوط قسنطينة و بروز فرنسا كقوة جديدة و تراجع الأمير إلى الأراضي المغربية ،و استعماله لحرب العصابات سنة 1846 ، لكن تخاذل السلطان المغربي وتعاونه مع الإدارة الفرنسية جعل الأمير يضطر للخروج من التراب المغربي ، خصوصا بعد خروج بعض القبائل عن صفه، و كذا محاصرة فرنسا للبقية الباقية من جيشه و أتباعه كل ذلك دفعه للاستسلام للفرنسيين في ديسمبر 1848 بغرض الحفاظ على ما تبقى من الجزائريين .
    6/ علاقة أحمد باي و الأمير بالباب العالي :
    لقد ظل الحاج أحمد باي من المخلصين للباب العالي، وتمت بينه و بين السلاطين العثمانيين الكثير من المراسلات يطلب فيها الدعم المادي و المعنوي ، و كانت مراسلات الداي تحتوي بين طياتها في العديد من المرات صورة الأمير المعادي للعثمانيين ، بل و المتواطئ مع فرنسا ضد الدولة العثمانية ، و قد حملت إحدى مراسلات الباي : أن الأمير عبد القادر الذي يدعي الشرف اتفق مع الفرنسيين و حاول إقناعهم و إقناع الجزائريين بأنه سوف يظم قسنطينة لأملاكه، و يقضي على بقايا الأتراك في هذه الناحية .
    و برغم ذلك فإن الباب العالي لم يقدم لأحمد باي المساعدة الكافية ، باستثناء التأييد المعنوي له بعد انسحابه من قسنطينة من خلال الإيعازات لباي تونس ليقدم لأحمد باي ما يراه ممكنا ، وقد استطاع أحمد باي أن يؤنب الباب العالي و سلكها الدبلوماسي ضد الأمير ، و يتضح ذلك في نشاط السفير العثماني بباريس الذي أبلغ وزير خارجية فرنسا: الكونت مولي بأن عقد معاهدة مع شيخ العرب مثل عبد القادر يعد عملا منافيا لعظمة فرنسا .
    أما عبد القادر فلم يقطع الصلة مع الباب العالي ، و كان دوما يراسل حكامه ، حسب ما ذكره حمدان خوجة على رسائل الأمير بقوله : فاعتمدنا إشارتك بهذا لرأي الرشيد ، استعطفنا سيدنا السلطان عبد المجيد ، و عرضنا على حضرته العليا حالنا و عرفنا أفعالنا و أقوالنا لعله ينظر إلينا بعين الرحمة و الإشفاق .. كما برر الأمير دوافع عقد الهدنة مع فرنسا للباب العالي بقوله : لم أكن متفقا مع الفرنسيين ، و لم يقع ذلك البتة وحسب مبادئ الإسلام يسمح باستعمال الحيلة و المهادنة مع العدو ، وهذا ما قمت به تجاه الفرنسيين ..
    و الخلاصة فإن فشل المقاومة الشعبية للزعيمين الوطنيين عبد القادر و الحاج أحمد يعود مرده بالدرجة الأولى إلى أسلوب المقاومة ،و ليس إلى طبيعة الصراع بين القائدين ، فلو تمكن الأمير من توحيد شطري المقاومة و كسب صف الباي لتغير سير التاريخ الجزائري وقتئذ ، لكن الزعيمين خسرا المعارك و لم يخسرا الحرب التي ظلت معلما من معالم جهد الجزائريين خلال القرن 19 ضد سياسة الاستيطان الفرنسي ، و إذا كان أحمد باي يهدف من مقاومته تمثيل الماضي و الحفاظ على أوضاع الجزائر كما كانت قبيل الاحتلال الفرنسي ، والانتساب للإرث العثماني ،فإن الأمير عبد القادر كانت مقاومته تهدف لتأسيس الدولة الجزائرية الحديثة المستقلة التي تعتمد في أسسها على المرجعية الإسلامية و البنية الوطنية ، المعتمدة على كاهل الجزائريين بجيش عصري ،لأن مقاومته اصطبغت بطابع الثورية لتوحيد الجزائر المبنية على العصبية الدينية ، و لذلك أعتبر الأمير رمز الوطنية الجزائرية .

    المصادر و المراجع المعتمدة :
    1/ سعد الله ، الحركة الوطنية ، ج1 .
    2/ ناصر الدين سعيدوني ، دراسات في تاريخ الجزائر .
    3/ عبد الرحمان الجيلالي ، تاريخ الجزائر العام ، ج4 .

    المحاضرة السادسة :

    نماذج من سياسة الإستدمار الفرنسي في الجزائر
    بعد الاحتلال
    تمهيد/
    لقد بشر الفرنسيون قبل دخولهم إلى الجزائر أنهم يدخلون الحضارة لهذا البلد الذي كان تحت وطأة الأتراك لقرون عديدة من الظلم و الغطرسة ، و أنهم بإمكانهم يخرجوه من تلك الظروف المزرية ، وروجوا أكاذيب عدة لكسب الرأي العام الفرنسي و العالمي، بل قالوا أن اهتمامهم بالقضية الجزائرية مرده لإهانة القنصل الفرنسي دوفال ، وطرد الأتراك الدخلاء على الجزائر و تحريرها منهم ، ترى هل وفت فرنسا بذلك ؟ و هل طبقت ما جاء في المنشور الذي وزعته على الجزائر عشية الحملة ؟ و هل أوصلت فرنسا الحضارة و الرقي و الإخاء و المساواة للجزائريين بعد أن إستقرأمرها في أرجاء الوطن ؟ أسئلة كثيرة سوف نقف عندها من خلال هذه المداخلة التي توضح نماذج من سياسة القهر و الغطرسة و التهور والنهب و الإقصاء و المتابعة و النفي و الاستنزاف، وكلها صفات ميزت الاستعمار الفرنسي في الجزائر .
    1/ طرد الأتراك:
    لعل الشيء الذي بكرت به الإدارة الفرنسية في التنفيذ بعد سقوط الجزائر العاصمة و استلام مفاتيح القصبة هو التكفل بقضية العنصر التركي حتى توهم الجميع أنها وفية لما وعدت به ، و بعد المفاوضات التي دارت بين الإدارة الفرنسية و ممثلين عن الداي أفضت إلى اختيار الداي حسين للمنفى بنابولي ، بعد أن تبادل الزيارة مع قائد الحملة الفرنسية دوبورمون في 7 جويلية ومعه قرابة 50 شخصا من الترك و العرب ، و طلب باسترجاع حوائجه المسلوبة و التي من بينها كيسا يحتوي على 30 ألف قطعة ذهبية ،أما زيارة القائد الفرنسي للداي فكانت في اليوم الموالي وهي تندرج في سياق ترتيب نقل الداي إلى خارج الوطن .
    و في 31 جويلية وصل موكب الداي نابولي على متن السفينة الفرنسية جان دارك وكان برفقته 110 ممن فضلوا النفي معه من بينهم الآغا إبراهيم قائد الجيش المهزوم و الخز ناجي بصفته وزيرا للمالية و 57 امرأة من خدام الداي و جواريه. وهكذا تخلصت فرنسا من المسؤول الأول في الجزائر لتتولى أمر ترحيل الأتراك الذين جاء دورهم بعد ترحيل الداي، وتذكر الكثير من الدراسات أن عدد الإنكشارية بلغ عشية الاحتلال زهاء 5000 منهم 891 مدفعيا نقلوا بواسطة السفن الفرنسية إلى بلاد الأناضول بعد تجريدهم من الأسلحة ، و بعد أن خصص لهم القائد الفرنسي أجرة شهرين ، وهذا في الظاهر تكرما من الإدارة الفرنسية لهذه الشريحة المقاتلة ولو أنه في الواقع ليس ذلك، ويعد تخلصا من هذا الجيش الذي كثيرا ما أقلق الدول الأوروبية، ومنها فرنسا ، كما أن الأموال التي خصصا دوبورمون ليست فرنسية وهي أموال جزائرية .
    2/ نهب الخزينة :
    يذكر العديد من المعاصرين للحملة الفرنسية على الجزائر منهم حمدان خوجة و إسماعيل أو ربان أن معظم الجيش الفرنسي كان جاهلا وأن معظمه يتكون من الفلاحين و العامة، ومع ذلك كان أكثر تحمسا للغزو و الاحتلال و التوسع و الهيمنة و ركوب البحر للتخلص من البحرية الجزائرية ، و إبعاد الخطر المخيف الذي أقلق الدول الأوروبية قرونا عديدة و من تم محاربة الأتراك وشعوب الشمال الإفريقي و تخليص المسيحية من هذه الشعوب ، ومن دون شك أن هذا التكوين الحسي الوطني لدى المقاتلين الفرنسيين لم يكن صدفة بل هو نتاج مرحلة هامة من الترويض و الدراسة و التمكين بغرض إنجاح الحملة و خدمة سمعة فرنسا .
    و كان إلى جانب الجنود النظاميين يوجد صنف آخر من المغامرين الشباب ، هذا ناهيك عن فئة المثقفين و رجال الأدب و التراجمة و الصحافيين و الرسامين و المحامين و غيرهم ممن هبوا لنصرة فرنسا و إرضاء المسيحية جمعاء .
    وبعد وصول الجيش الفرنسي إلى دار السلطان أخذ مباشرة في نهب خزينة الدولة الجزائرية التي كان بها ما لا يقل عن 50 مليون دولار ، ولعل ما يفسر ذلك أن الداي حسين عندما نقل مقره من قصر الجنينة إلى أعالي القصبة استغرق ما يقارب عن نصف الشهر ، وجهز لنقا محفوظات الخزينة 50 بغلا لكل ليلة . لذلك كانا فرنسا اعتبرت نفسها أنها نجحت في الحملة من دون تكلفة مالية مقارنة بما وجدوه في خزينة الداي ، بعد أن سلم الخز ناجي مفاتيح الخزينة لدوبورمون ، وقدر الفرنسيون رسميا قيمة ما وجدوه في الخزينة ب 55.684.527 ف موزعة بين الذهب و الفضة و الجواهر ونقود و نحوها .
    و إذا كان دوبورمون قد اهتم ببيت مال الداي، فإن جنوده قد نهبوا القصبة وما احتوته من كنوز ثمينة وخلعت أبواب المحلات و المنازل ونهت الأموال و الأثاث و الحلي و كثر الاعتداء على الأشخاص و انتشرت الفوضى و اللصوصية ، ومن تم انتهكت حرمة الأملاك سواء التابعة للدولة أو أملاك الخواص ، وقدرت أملاك البايلك ب5000 ملكية ، بالإضافة إلى عقارات الخواص ، وأملاك الوقف التي كانت مصنفة إلى سبعة أنواع هي : أوقاف مكة و المدينة وهي كثيرة و غنية ، وأوقاف المساجد و أهمها الجامع الكبير و أوقاف الزوايا و أوقاف الأندلس و أوقاف الأشراف ، و أوقاف الإنكشارية ، و أوقاف الطرق العامة و أوقاف عيون الماء ، وقد استحوذت فرنسا على جميعها وو وصف أحد المؤرخين الفرنسيين : بول آزان تلك الحالة المأساوية التي كانت عليها العاصمة بأنه ليست هناك مدينة في العالم قد شهدت عند احتلالها ما شهدته مدينة الجزائر بقوله : إن الجنود ارتكبوا أعمالا وحشية فخربواالفلات وقطعوا أشجار الحدائق وخلعوا أعمدة المنازل لإيقاد النار و أتلفوا أنابيب المياه وهدموا السواقي كي تشرب حيواناتهم ، وتسببوا في تفجير مخزن للبارود ، ولم يحافظوا على صحتهم و كثر المرض فيهم حتى أعلن المتصرف : دينييه يوم 24 جويلية أن المستشفيات دخل بها 2500 مريض .
    3/ تنظيمات الاستيطان :
    إن أول ما قام به قائد الحملة الفرنسية و تحرير المسجونين الفرنسيين في الجزائر الذي قدر عددهم وقتئذ ب 122 سجين مع العلم أنهم لم يطلقوا المساجين المكبلين في السفن الفرنسية ، كما وضع دوبورمون نواة أولى للإدارة الفرنسية في الجزائر ، وكلف لها لجنة مالية حكومية برئاسة دينييه و جعل أعضائها من الفرنسيين و العرب و اليهود و أبعدوا منها العناصر التركية، ومن مهام اللجنة تسيير المدينة و توفير حاجيات الجيش و السكان ، و إيجاد الأمن ، وتعد هده اللجنة بمثابة نواة الحكومة الفرنسية العامة التي ستلد بعد توصايت اللجنة الإفريقية سنة 1834 .
    أما اللجنة الثانية التي برزت في عهد دوبورمون فهي لجنة البلدية المشكلة من أعيان الحضر و كبار اليهود الذين وجدوا الفرصة سانحة للانتقام من الجزائريين ، و كانت اللجنة برئاسة الفرنسيين ، ومن بين الجزائريين الذين كانوا ضمن اللجنة أحمد بوضربة و حمدان خوجة و إبراهيم بن مصطفى .
    أما اللجنة الثالثة فهي دينية مالية تشرف على الأوقاف و مواردها ، وقد سموها اللجنة الخيرية للغوث ، وهي مؤلفة من 9 أشخاص هم: 5 جزائريين وقد عمل بها حمدان بن عثمان خوجة .
    وخلال السنوات الأولى للاحتلال لم يكن هناك نموذج إداري اتبعه الفرنسيون ، وقد دام الحال كذلك ‘إلى مجيء اللجنة الإفريقية و صدور قرار جويلية 1834 الذي ألحق الجزائر بفرنسا ونظم إدارتها على نحو شبيه بما كان يجرى في فرنسا ، ومن الذين تولوا خلال السنوات الأربعة الأولى بعد دوبورمون الجنرال كلوز يل وبر تزين و الدوق دي رو فيقو وفوار ول ، وكلهم كانوا مهتمين بمشاريع الاستعمار ، ومحاربة الثوار أكثر ما كانوا مهتمين بالتنظيم الإداري ، ومنذ 1834 أعطت الحكومة الفرنسية الموافقة على إلحاق الجزائر بفرنسا و إعطائها إدارة خاصة في منصب الحاكم العام الذي كان مسؤولا أمام الحكومة الفرنسية عن الأمور المدنية و العسكرية في الجزائر .وهكذا ظلت الجزائر تحت الحكم العسكري إلى عهد الجمهورية الرابعة وإلغاء الإدارة العسكرية في الشمال و إبقاء الجنوب تحت النظام العسكري حتى استقلال الجزائر.
    4/ طمس المعالم الجزائرية و إبطال القيم الوطنية :
    منذ أن وطأت أقدام الفرنسيين أرض الجزائر وهم يحاربون المعالم العربية الإسلامية و طمسها وتحويلها إلى المعالم الفرنسية ، وقد شمل ذلك المدن التي احتلوها و تجسد ذلك في تغيير أسماء الشوارع و تهديم المنازل و الأسواق ، مع إحداث الساحات بذلها بأسماء قادة الحملة الفرنسية وبعض زعماء فرنسا ، كما حولت العديد من القصور إلى مؤسسات عسكرية و مستشفيات ونحوها .كما حولت المساجد إلى كنائس وأغلقت المدارس و الزوايا ودور القرآن و التعليم .
    ومن أهم المدن التي تعرضت في العشرية الأولى للاحتلال للطمس و التهديم ، مدينة الجزائر باعتبارها دار السلطان ورمز القوة البحرية، ومن أمثلة ذلك نقل بعض المدافع الجزائرية إلى فرنسا مثل مدفع بابا مرزوق الذي تعود صناعته ‘إلى القرن 16 وهو يمثل رمز قوة البحرية الجزائرية وخلال وقت قصير جدا هدم الفرنسيون مئات المنازل في الجزائر لإقامة ساحة عمومية تسمى حاليا ساحة الشهداء ، وكانت طريقة البناء تؤدي إلى سقوط العديد من المباني لارتباطها ببعضها البعض ، كما أطلقت أسماء رومانية و أروبية و حتى تاريخية على العديد من الأزقة مثل شارع يوبا و شارل الخامس وشارع كليبر وغيرت اسم باب المرسى بباب فرنسا ، كما أدخلت تعديل على اللباس مثل القبعة ونزع اللحاف وكذلك بناء المخامر ومقرات الموسيقى و المراقص و الكحول و المشروبات وغيرها من أماكن المجون و اللهو .و التي من خلالها غرس الثقافة الجديدة الأوروبية في الجيل الجزائري الجديد ، وهي متناقضة كل التناقض مع ما كان لدى الجزائريين باعتبارهم متمسكين بالتقاليد و العرف و الديانة الإسلامية .
    5/ الاستهتار بالمؤسسات الدينية و نشر المسيحية :
    في يوم الأحد الموالي لدخول الفرنسيين القصبة أي 11 جويلية أقاموا حفلا دينيا في حي القصبة حضره الجنرالات و ضباط الحملة بزعامة دوبورمون ، وكان الحفل استفزازيا للجزائريين ، وعبر عن نشوة الانتصار وغلبة فرنسا على الجزائر وقد حط ذلك من معنويات الجزائريين ورفع من ثقة الفرنسيين ، وقد عبر عن ذلك النصر الكبير أحد الفرنسيين بقوله : إن الاحتفال الضخم جرى في القصبة التي بناها أبناء محمد ص لمواجهة أبناء عيسى عليه السلام ، وقد رتلوا آيات الإنجيل بأصوات عالية أمام آيات القرآن التي أصبحت ميتة والتي كانت تغطي كل الجدران .
    كما يذكر الفرنسي بوجولا أن الانتصار هو انتصار المسيحية وأن الفرنسيين علقوا الصليب على ثلاث مآذن في مدينة الجزائر و أن الذين ماتوا هم شهداء الحضارة و الوطن و المسيحية ، كما جعلوا من مسجد كتشاوة الذي بناه حسن باشا سنة 1794 كاتيدرالية ، وفي سنة 1838 أسسوا أسقفية الجزائر الناطقة باسم المسيحية في المستعمرة .
    و إذا كانت مساجد الجزائر حسب إحصائية أحد الرحالة الهولنديين خلال القرن 17 هي 700 مسجدا ، فإن عددها تقلص سنة 1830 إلى 176 ، وفي سنة 1899 لم يبق سوى 5 مساجد على مستوى الجزائر العاصمة وهي: الجامع الكبير، و الجامع الجديد، و جامع سيدي رمضان، وجامع سفير وجامع عيسى باشا.
    كما هدمت الكثير من المساجد منذ بداية الاحتلال مثل مسجد السيدة الذي زركشة حسن باشا بالرخام المستورد من إيطاليا ، كما حولت العديد من المساجد على كنائس كجامع القصبة و جامع القائد وغيرهم ، ولذلك لا غرابة أن نجد الشاعر محمد بن الشاهد الذي عاصر الحملة الفرنسية و تولى الفتوى قبيل الاحتلال وقد حز في نفسه ذلك المشهد الرهيب و ما أصبح عليه الوضع في الجزائر و دون كل ذلك في قصيدة تاريخية هامة جاء في بعض ـبياتها قوله :
    و نالوا من الأموال يسرا ميسرا * و فازوا بها و القلب يصلى على الجمر
    أموت وما تدري البواكي بقصتي * وكيف يطيب العيش و الأنس في الكفر
    وخلال منصف القرن التاسع عشر رصدت الإدارة الفرنسية إمكانات مادية ضخمة لانجاح سياسة التغريب و الإلحاق و الدمج ، و اتضح ذلك في مشروع الكاردينال لا فيجري الذي راهن على جعل الجزائر بوابة لتمسيح إفريقيا بوسائل عديدة منها التعليم و التطبيب و المعونات الخيرية و جمع الأطفال اليتامى واستغلال الأزمات التي ألمت بالجزائريين مثل المجاعة وغيرها ، وقد ركز لا فيجري في مشروعه على بلاد القبائل ، و أسس منظمة الآباء البيض التي قامت على عاتقها نشر المسيحية ،وأشار إلى ذلك بقوله : ليس الهدف من فتح المدارس في شمال إفريقيا هو نشر التعليم ، ولكن الهدف هو تبديل لغة بلغة و دين بدين وعادات بعادات ..

    المصادر و المراجع :
    1/ سعد ، الحركة الوطنية الجزائرية ، الجزء الأول .
    2/حمدان خوجة ، المرآة .
    3/ عبد الرحمان الجيلالي ، تاريخ الجزائر العام ، ج4 .
    André Canac ; la justice musulmane 4/

    نشأة الإدارة الفرنسية في الجزائر

    إن أو ل ما قام به قائد الحملة الفرنسية الكونت ذي بورمون هو حل الجيش منظمة الجيش الانكشاري التي كان عدد أعضائها العزاب في مدينة الجزائر 3500 و المتزوجين حوالي الألف ، و أمر بترحيل الانكشاريين غير المتزوجين إلى آسيا الصغرى بعد تجريدهم من الأسلحة ودفع لهم بعض الرواتب .
    أما الداي فقد اختار المنفى وصل إلى مدينة نابولي يوم 31 جويلية بعد أن كان قد غادر الجزائر يوم 10من نفس الشهر على ظهر السفينة الفرنسية "جان دارك" برفقة 110 أشخاص من بينهم الآغا إبراهيم قائد الجيش المنهزم ووزير المالية أو الخزناجي و 57 امرأة من الحريم و الجواري .
    وفي اليوم التالي من توقيع اتفاق الاستسلام أنشأ د بورمون"لجنة الحكومة" بغرض التحكم أكثر في الوضع بعد انتشار الفوضى، و تتلخص مهام هذه اللجنة في النظر في الحاجيات التي يمكن توفرها ، ومعرفة إمكانيات البلاد و النظم التي يجب تعديلها أو إلغائها وكذا ضرورة الفائدة من استخدام أعيان جزائريين من مختلف الطبقات الأهلية لملأ الفراغ الذي تركته الإدارة العثمانية بعد هروب و ترحيل وتهجير الإطارات و الموظفين الذين مارسوا الوظائف و المسؤوليات خلال الفترة السابقة للاحتلال ،ومن تم ضمان السير الحسن لهذه الهيئة الجديدة . و يتضح من تركيب اللجنة التي كان يرأسها و كيل التموين أنها هيئة فرنسية تجهل الشؤون الأهلية و حاجات الجزائريين و كانت مهمتها تأسيس الإدارة الفرنسية في الجزائر على إنقاض الإدارة العثمانية و كان "للجنة الحكومية" هدفان أساسيان هما: -جمع المعلومات و التحري عن الإدارة العثمانية السابقة للاستفادة منها، و توفير السكن و الراحة و المستشفيات للجيش الفرنسي الذي كللت مهمته بالنجاح .
    وأما بالنسبة للنقطة الأولى فإن اللجنة قد فشلت في تحقيق أي شيء لأن سجلات ووثائق الإدارة السابقة قد اختفت نتيجة للفوضى التي عمت البلاد عند احتلال المدينة وخصوصا القصبة التي تعرضت للنهب و التلف من طرف الآثمين ، أما المعلومات التي توصلت إليها حول المداخيل و الأملاك فقد كانت من أفواه الناس فقط وخصوصا الفئة التي كانت قريبة بعض الشيء من دار السلطان ولو أن هذه النقطة تبقى مثار بحث لأنه لا يعقل أن تكون الدولة وقتها لا تملك مراكز أرشيفية و نحوها لما عرفته من صيت وقوة وإبرام للكثير من المعاهدات مع دول العالم ، لكن فرنسا وقتها ادعت أنها لا تعرف الشيء الكثير عما وجدته في الجزائر العاصمة ولعل ذلك لإبعاد نظر الآخرين عن المستعمرة البكر التي كانت تزخر بما لا يوجد في بلاد أوروبا كلها ، خصوصا أنه ظهرت في السنين الأخيرة دراسات فرنسية مفصلة عن ما وجدته فرنسا من أموال و نحوها في القصبة بعد أن سلمت لها المفاتيح . أما بخصوص النقطة الثانية فإن اللجنة الحكومية أنشأت "هيئة مركزية" تظم ممثلين عن المنظمات السبع الهامة في المدينة، كان معظمهم من حضر مدينة الجزائر منهم : الحاج علي بن أمين السكة ، و ابن المرابط ، وإبراهيم بن المولى محمد ، ومحمد بن الحاج عمر ، وبعض اليهود منهم: بن بكري ، وكان رئيس الهيئة المركزية هو أحمد بوضربة الذي أظهر حماسا كبيرا للوجود الفرنسي في الجزائر على الأقل في أول الأمر وخاصة أن هذا الأخير كان متزوجا مع امرأة فرنسية، ويحسن اللغة الفرنسية وكانت له مصالح كثيرة و قرابة مع الفرنسيين قبيل الاحتلال ، و ولذلك كان من الذين فاوضوا بورمون على تسليم المدينة ليلة الخامس من جويلية، بالإضافة إلى ذلك فقد كان ضمن اللجنة فرنسي يدعى "بروغيير" الذي كان يمثل الملك الفرنسي شارل العاشر لذي الهيئة المذكورة.
    هذا من جهة و من جهة أخرى فقد كانت الهيئة تظم أعضاء آخرين من الإدارة الجزائرية العثمانية كما كانت تظم مفتي الحنفية و المالكية و قاضي الحنفية و المالكية وبإيجاز فإن الهيئة كانت عبارة"عن مجلس بلدي" يلعب فيه بوضربة دور شيخ المدينة على عهد العثمانيين ، وكانت مهمة الهيئة المركزية أو المجلس البلدي تتمثل في العمل على إنشاء إدارة محلية و توفير الحاجات المستعجلة للجيش و معرفة إمكانيات و طاقات البلاد عامة ومدينة الجزائر خاصة ، وهي بمثابة همزة وصل بين الحكومة القديمة التركية و الجديدة الفرنسية ، و إذا كان هناك تداخل بين مهمة الهيئتين فإنهما يسيران نحو هدف واحد وهو خدمة السيد الجديد أي فرنسا ، و توفير الراحة للجيش ووضع إمكانيات البلاد بين يديه ،و لعل الفرنسيين قد لجئوا إلى خلق هذه الهيئة لترضية الجزائريين في أول الأمر و لاسيما الفئة التي تعاونت معهم و كانت تظن أن إنهاء الإدارة العثمانية يعني انتقال الحكم إليها و لكن السلطة الحقيقية فقد كانت في يد اللجنة الحكومية .
    وقد حاولت لجنة الحكومة أن توفر الغذاء للمدينة فنظمت الجمارك و المكوس غير أن الموظفين الذين عهدت إليهم بذلك كانوا يجهلون مهمتهم لا لشيء سوى لأ

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت أبريل 27, 2024 6:12 pm