منتدى العلوم الإنسانية لجامعة تبسة



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى العلوم الإنسانية لجامعة تبسة

منتدى العلوم الإنسانية لجامعة تبسة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى يهتم بكل الشؤون التربوية و العلمية للطلبة و تقديم الدعم و المشورة في كل ما يخص مشوارهم الجامعي


    محاضرات في تاريخ الجزائر1

    saddar1974
    saddar1974
    Admin


    عدد المساهمات : 20
    تاريخ التسجيل : 04/02/2010
    العمر : 49

    محاضرات في تاريخ الجزائر1 Empty محاضرات في تاريخ الجزائر1

    مُساهمة  saddar1974 الأحد مارس 14, 2010 3:28 pm

    الأوضاع السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية
    في أوروبا عشية الاحتلال الفرنسي للجزائر


    تمهيد :
    لعل المتمعن في صفحات التاريخ الأوروبي مع مطلع القرن السادس عشر و بداية القرن السابع يجد الوجه الأروبي قد تغير نحو الإيجاب و خصوصا أثناء القرن الثامن عشر و ذلك بعد أن خرجت أوروبا من حروبها الضيقة الإقليمية إلى البحث عن سبل الوحدة و ترك سلبيات الكنيسة إلى الإحتكام إلى التوجهات الجديدة المنبثقة عن أفكار التنوير و الغقلنة ،و أضحى التوازن جليا بين عالم الأمس الذي إتجه نحو التراجع و العالم الأوروبي إلى خط لنفسه ويكشف عن نواياه التوسعية بفضل تحسينه أوضاع مختلفة:
    1/الوضع السياسي:
    إن الدارس للوضع السياسي في أوروبا منذ النصف الأخير من القرن18 يجده يتميز بروح الوفاق و التضامن الأوليين نحو النظرة التوسيعية عكس ما كانت عليه قبل هذه الفترة و بالخصوص خلال التوسعات النابليونية في أوروبا و فارجها و لعل الشيء الذي ميز أوروبا أيضا مع بداية القرن التاسع عشر هو بروز قوتين كبيرتين تتمثلان في قوة فرنسا و عظمة بريطانيا و البحث لكل منهما عن مناطق نفوذ إلى ما وراء البحار خصوصا بعدما أصبحت الدولة العثمانية تسمى بالرجل المريض و حان الأوان لإقتسام ممتلكاتها و ذلك ما عرف بالمسألة الشرقية و حتى إيالة الجزائر بإعتبارها كانت تابعة للباب العالي.
    و إذا كانت الثورة الفرنسية التي عرفتها فرنسا سنة 1789 تحت شعار الإخاء و المساواة و الحرية فإن نظرة فرنسا للجزائر كانت سابقة لهذا التاريخ بل يعود إهتمامها بشمال إفريقيا إلى مرحلة الإمتيازات التي تحصلت عليها خلال عهد فرانسوا الأول و سليمان القانوني خلال سنة 1535.
    و كانت شعارات الثورة الفرنسية قد إيقضت العديد من دول أوروبا بغية الوحدة المنشودة مثلما هو الشأن بالنسبة لإيطاليا و ألمانيا و إسبانيا و حتى روسيا إذ عرفت هذه الأقاليم حركات تحريرية ضد الانظمة الديكتاتورية و ظهرت ثورات كالثورة الشعبية في إسبانيا سنة 1812و في روسا سنة 1825، و محاولات الإتصال المتكررة عن أراضي الدولة العثمانية في أراضي البلقان و التي آلت إنفصال الحرب سنة 1804 و إستقلال اليونان سنة 1830 و بنفس الوتيرة إستقلت بلجيكا عن هولندا كما انفصل بولونيا عن روسيا و المجر عن النمسا و رومانيا عن الباب العالي.
    و يمكن القول أن هده الحركات الإنفصالية أخدت الشيىء الكثير عن مبادىء الثورة الفرنسية ، هده المبادىء التي كسرت أسس الإقطاع و زعزعت أركان الرجعية والإستبداد ، و لكن إنعكاس ذلك كان على أرزّوروبا أكثر من غيرها ، لأن فرنسا لم تنقل إلى الجزائرإلا ما يتعار ض أساسا مع مبادىء الحرية و المساواة ، و اختارت بذلها السيطرة و الهيمنة و الإحتلال لأرض ليست لها ، و إستعبدت شعبا بإسم الحرية و اليموقراطية تحت ذريعة تأذيب الاي حسين آخر دايات الجزائر
    2/ الوضع الإقتصادي و الإجتماعي:
    لقد استطاعت دولة أروبا و بالخصوص فرنسا و بريطانيا أن تغير من أوضاعها الإقتصادية و الإجتماعية ، و خصوصا بعض وصول الطبقة الوسطى البرجوازية إلى السلطة و الإستيلاء على دواليب الحكم ، و بذلك تشكلت أنظمة سياسية جديدة غيرت من البنية الإجتماعية ، و عززت من وسائل الإنتاج ، و خرجت من صراعات الكنيسة ، و إعتمدت على حركة العقلنة و التنوير ، وكل ذلك عزز من القيم الإجتماعية و من ظروف المعيشية فازدادت المواليد و نقصت الوفايات ، و استغل الهرم الإجتماعي لبناء أروبا الحديثة التي طلقت عهد الظلام و التي إمتازت به فترة العصور الوسطى .
    ولعل من العوامل المساعدة إيضا على بناء وجه أروبا الحديثة هو إنتشار مظاهر الثورة الصناعية و إزدياد الطلب على المواد الأولية ، و أصبحت الضرورة ماسة إلى البحث عن الأسواق الخارجية للتصدير ، و من ثم أضحى التكفل بالطرق التجارية و البرية حتمية ملحة ضد المخاطر الخارجية ، و بالضبط ضد الجزائر التي كانت تلبسها أروبا تهما خطيرة كقضية القرصنة و الإعتداء على السفن العابرة في البحر الأبيض المتوسط .
    ولذلك فلاغرابة أن نجد دول أروبا تتحالف ضد الجزائر لإحباط هذا الشبح المتمثل في البحرية الجزائرية التي كانت رافعة لراية الجهاد البحري للحفاظ على الدولة الإسلامية ، بل ونجد القضية الجزائرية قد أدرجت في جدول أعمال مؤتمر فيينا 1815 ، و كذلك مؤتمر إكس لاشبيل سنة 1818 ، و بذلك أضحت الضرورة ماسة لتكسير شوكة الجزائر و هيبتها الدولية
    و من هنا نجد أروبا و كأنها قد شعرت بمرحلة جديدة سادها عنصر التفوق ، و إنتقلت من مرحلة الصمود إلى مرحلة جديدة تجلت في سياسة التوسع و الهيمنة لحماية مصالحها و البحث عاى مناطق نفوذ عديدة ، و تجلى ذلك في العديد من التحرشات التي قامت بها على سواحل البحرالأبيض المتوسط ، وخصوصا ما كان على شواطىء الجزائر ، وكل ذلك جر بالعلاقات الجزائرية الأروبية إلى عملية المد و الجزر ، بل أحيانا إلى طريق مسدود.
    و من بين الدول الأروبية التي إهتمت بالقضية الجزائرية دولة فرنسا التي شنت في العديد من المرات غاراتها على سواحل الضفة الجنوبية من المتوسط ، و بالضبط سواحل الجزائر ، كما تحالفت في العديد من المرات مع البحرية الأروبية لإضعاف شوكة الجزائر ، و لعل خير مثال على ذلك مشاركة فرنسا في معركة نافرين بجنوب اليونان سنة 1827 ضد الأسطول العثماني الذي ناصره وقتها الأسطول الجزائري ، هذا الأخير الذي إعتبر أن التحالف الأروبي كان تحالفا صليبيا ضد الدولة العثمانية الممثلة للخلافة الإسلامية .
    ونظرا لإختلال التوازن بين القوتين البحريتين العثمانية و الأروبية ، فإن الغلبة كانت لأروبا التي خرجت من ظيم العصور الوسطى إلى مرحلة التنوير و قيام الثورة الصناعية .و يعد إنهزام الجيش العثماني و معه البحرية الجزائرية إيذانا واضحا على بداية التحرش الفعلى الفرنسي على سواحل الجزائر بعد تكسير أسطولها البحري و زوال هيبة إنكشاريتها ، و كانت فرنسا تسعى دوما لإزالة الجزائر من الخريطة السياسية الدولية ، و إعتبر الكثير من المؤرخين الفرنسيين أن عملية الإحتلال أضحت ضرورية و تاريخية و حتمية ، و أنه حان وقتها لجني ثمار قرون عديدة من التربص للإنفراد بإحتلال الجزائر ، هذه الأخيرة التي أصبحت في أواخر عهد الدايات تعيش جملة من الصعوبات أثرت عليها سياسيا بعدما لاح في الأفق فتور في العلاقات بين دار الساطان بالعاصمة و البيالك الأخرى سواء في قسنطينة بزعامة أحمد باي ، أو بايلك التيطري بقايدة بومزراق ، أو بايلك الغرب ، و أصبح العامل المشترك هو الدنوش السنوي الذي يدفع لخزينة الدولة بالجزائر العاصمة .و كل ذلك إنعكس بالسلب عاى البنية الإقتصادية و الإجتماعية و حتى الثقافية للجزائر عشية الإحتلال .مما مكن القوة و الحملة الفرنسية بقيادة دوبورمون من إحتلال الجزائر في صائفة 1830 .
    المصادر و المراجع المعتمدة في المحاضرة:
    1/ الدكتور جمال قنان ، نصوص ووثائق في تاريخ الجزائر الحديث 1500-1830، ط1 ، المؤسسة الجزائرية للطباعة 1987.
    2/ الدكتور أبو القاسم سعد الله ، الحركة الوطنية الجزائرية ، القسم الأول ، ط1 ، المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر1992
    3/ الدكتور محمد العربي الزبيري، مدخل إلى تاريخ المغرب العربي الحديث ، ط2 ، الشركة الوطنية للنشر و التوزيع 1985.
    سعد الله ، محاضرات في تاريخ الجزائر الحديث (بداية الإحتلال )، ط3 ، الشركة الوطنية للنشر و التوزيع 1982 .

    المحاضرة الثانية :
    دوافع الاحتلال الفرنسي للجزائر.
    تمهيد/
    لاشك أن الجزائر تتمتع بموقع استراتيجي (جغرافي ) هام يجعلها عرضة للتقلبات السياسية و الاقتصادية العالمية كما أنها تتأثر بالسيرورة التاريخية و التأثر فيهأيضا ، ومنها ظهور الحركة الاستعمارية الأوروبية الحديثة ،التي تكالبت وتنافست على المستعمرات في ما وراء البحار ،و ضمن هذا الإطار ظهرت أطماع فرنسا في الجزائر .
    ذلك أن الدوافع التي أدت بفرنسا إلى احتلال الجزائر كثيرة ومتنوعة ،وهي على العموم دوافع سياسية ،وأخرى إقتصادية مرتبطة و متداخلة ومتكاملة بعضها ببعض .وسنحاول في هذه الدراسة معالجة الأسباب السياسية و الأسباب الإقتصادية وحدها .
    لقد ظهرت الدولة الجزائرية الحديثة مع بداية القرن السادس عشر الميلادي بانتمائها إلى السلطنة العثمانية تحت قيادة "الباي لرباي " وبذلك بدأت معالم الحدود الإقليمية للدولة الجزائرية تظهر و تستقر تدريجيا ، وينمو معها الكيان السياسي للجزائر المنفصلة عن تونس و المغرب الأقصى .وبذلك ظهر نوع من الشعور الوطني لدى المواطنين جعلهم يندفعون بكل ما يملكون من قوة و إمكانيات : لتدعيم هذه الدولة الفتية ، وحماية هذا الوطن العزيز من الغاصبين المسيحيين المتعصبين .
    وخلال القرن السابع عشر الميلادي بدأت الجزائر تنفصل تدريجيا عن الدولة العثمانية ، ففي سنة 1659م إغتصب ديوان الإنكشلريين آداة الولاية كلها ، وبعد سنتين ، أرسل الإنكشاريون بالجزائر ، وفدا لمقام القائد العام للأسطول ووزير البحرية ،و أجبروا الدولة العثمانية على قبول الأمر الواقع ، و أصبحت السلطة التنفيدية بأيدي الإنكشاريين .
    و بمرور الزمن وحسب التطورات التي حصلت في البلاد ، قرر ديوان الإنكشارية أن يتولى الحكم آغا عن طريق الانتخابات ، على أن يبقى في الحكم لمدة شهرين اثنين فقط ، و تعتبر هذه الفترة ، أي عهد الآغاوات الذي استمر إثني عشر سنة مليئة بالخلافات ، و ذلك أن الأغوات المنتخبين للحكم رفضوا التخلى عن مناصبهم ، و في سنة 1671 إنتهت هذه الوضعية بعد تسلط رؤساء الجيش الإنكشاري على مقاليد السلطة ، ونصبوا الدايات على رئاسة السلطة ، و بذلك برزت أكثر ‘رتباطات الجزائر باللباب العالي .
    وخلال هذه الفترة أصبحت الجزائر تحتل قوة مهابة في البحر المتوسط ، ، بل أصبحت الدول المارة بالبحر المتوسط تدفع إتاوة للجزائر مقابل حماية سفنها في المتوسط من الإعتداء ، و كل ذلك مكن من سيادة و قوة الدولة الجزائرية و ربطت علاقات عديدة مع دول أروبا فعلى سبيل المثال معاهدة 1561 مع هنري الرابع ثم تدعمت أكثر خلال قيام الثورة الفرنسية سنة 1789 .و التي جاءت بمبادىء الحرية و المساواة و الإخاء وهذه الأفكار كانت محبذة لدى الكثير من الجزائريين ، هذا في حين هناك الكثير من البلدان الأروبية قد حاصرت هذه الأفكار و إعتبرتها معادية لها ، و لذلك لا غرابة أن نجد الجزائر تقدم المساعدات الكافية للفرنسيين خلال ثورتهم على شكل قروض و حبوب غذائية .
    لكن فرنسا لم تكن وفية لما قدمته لها الجزائر في محنتها ، وعشية إحتلالها للجزائر عززت من علاقاتها مع اليهودين بكري و بوشناق اللذين كانا مسيطرين على تجارة الحبوب و قد مولها التاجران بكميات هامة من الحبوب ، و لكنها رفضت دفع الديون مما أدى إلى تأزم الوضع بين الجزائر و فرنسا و إعتبر الداي حسين أن ذلك العمل لا يليق بالجزائر ، بل هو تعدي على الرعايا الجزائريين ، و او أن ذلك ما هو إلا مصيدة لفرنسا لتعكير العلاقات و إيجاد الأجواء المناسبة التدخل في قضايا الجزائر بعدما لمست فيها بوادر الضعف .
    و هناك جملة من العوامل الدافعة للإحتلال يمكن أن ندرجها في النقاط التالية :
    1/ الأسباب السياسية :
    إن قضية المروحة التي جعلت منها فرنسا سببا رئيسيا في حماتها على الجزائر ما هي إلا خرافة تاريخية ، و أن الداي حسين لم يهن القنصل الفرنسي دوفال ، بل نجد أن الأسباب متعددة ، و تعود إلى قرون مضت في العلاقات الفرنسية الجزائرية كما رأينا آنفا ، وكانت هذه العلاقات قد عرفت مرحلة المد و الجزر بحكم قوة و ضعف كل دولة أي فرنسا و الجزائر ، و لعل المتتبع لمراحل إهتمام فرنسا بالشؤون الجزائرية يجد أن حكومة فرنسا قد رحصت لقنصلها دوفال بالمزيد من المناورة بغرض تمكين فكرة الإحتلال و قبولها لدى المعارضة وأنه لا يمكن إهانة العلم الفرنسي ، و تجلى ذلك بالوضوح في مذكرة فرنسا عشية الإحتلال و المؤرخة في 7 ديسمبر 1827 و التي من خلالها تم فرض الحصار البحري على الجزائر و ذلك قبل المروحة بشهور .
    كما أن سياسة شارل العاشر غير محبذة لمبادئ الثورة الفرنسية ، و كان الرجل رجعيا إلى حد كبير في سياسته و من أمثلة ذلك تعطيل المؤسسات الدستورية و تعطيل البرلمان و خنق حرية الصحافة ، و خنق الحريات و تهجير المعارضة و تكميم الأفواه و كل ذلك لم يكن مقبولا لدى الكثير من الفرنسيين الذين تشبعوا بمبادىء الثورة الفرنسية ، و جر إلى تذمر كبير في الأوساط الفرنسية ضد الملك الفرنسي .
    و تذكر العديد من الدراسات التاريخية أن الداي حسين بعث ببعض الرسائل إلى الحكومة الفرنسية يستفسر من خلالها على قضية الديون و نحوها لكن فرنسا لم ترد على رسائله و أهملت مسعاه ، و كل ذلك أغضب الداي حين سئل دوفال حين قدم له تهاني العيد ، و كان جواب القنصل الفرنسي في منتهى الوقاحة و قال للداي إن بلادي لا تتنازل للإجابة لرجل مثلكم و قال ذلك أمام ديوان الداي ، و لم يتمالك هذا الأخير و لوح عليه بالموحة التي كانت في يده .
    ووجدت فرنسا في الحادثة المادة الخصبة في ترويجها للحملة و كسب الرأي العام الفرنسي مها ىلقبول الفكرة و هي ضرب الجزائر و تأديبها على موقفها من دوفال ، و من جهة أخرى بدعوى القضاء على القرصنة و قوة الجزائر التي كثيرا ما أقلقتها ، كما إدعت أيضا أنها تريد تحرير المساجين المسيحيين الذين أسرتهم البحرية الجزائرية ، و كل ذلك أكسب فرنسا تعاطفا دوليا من أجل القيام بحملتها على الجزائر .بإستثناء بريطانيا التي ظلت هي الأخرى تبحث على مناطق النفوذ ب‘تبارها العدو اللذوذ لفرنسا .و بذلك كان هذف فرنسا إبعاد المعارضة و البحث لها عاى مناطق بعيدة عنها .
    2/ إدعاء إنقاذ الجزائريين من سيطرة الإحتلال التركي :
    كانت فرنسا و حلفائها من المسيحيين يعتبرون ذوما أن الوجود العثماني في الجزائر هوبمثابة إحتلال و منافس لها في برنامج توسعها ، و من ذلك شنت هجوما إعلاميا عبر العصور التاريخية بغرض تشويه سمعة العثمانيين في الجزائر ، و أنهم أبعدوا السكان عن قضاياهم و هيمنوا عاى كل شيىء في الإدارة و السلطة و الإقتصاء و حتى في الدين ، و إستغلوا بعض النقائص التي لاحت من حين لاآخر في سياق الوجود العثماني في أرض الجزائر و بروز بعض الثورات كالثورة الدرقاوية في الغرب الجزائري و ثورة بن الأحرش في الشرق الجزائري ، و تناست فرنسا من جهة أخرى أن الوجود العثماني هو الدي طهر السواحل الجزائرية من التحرشات الإسبانية و حرر الكثير من الموانىء الجزائرية ، بلكان الوجود العثماني في الجزائر بطلب من الجزائريين أنفسهم ، و هو الذي مكنهم من القوة البحرية في المتوسط.
    لذلك لا غرابة أن نجد الإدارة الفرنسية توزع على الجزائريين عشية الإحتلال منشورا هاما تظمن نقاط أساسية و هي أن الوجود الفرنسي في الجزائر يهدف أساسا لمحاربة الأتراك و إعطاء الحرية التامة للجزائريين ، و كأن القضية بين الداي حسين و فرنسا فقط .و مما جاء في البيان قوله : " يا أعز أصدقائنا و محبينا سكان الجزائر و من ينتمي إليكم من شعب المغاربة ، أن الباشا حاكمكم من حيث أنه تجرأ على بهدلة فرنسا و أقدم على إهانتها فقد سبب بجهله هذا كل ما هو عتيد أن يحل بكم من الكوارث و المضرات ، فلا بد أن هذا الباشا حاكمكم من قلة بصيرته و عماوت قلبه قد جدب على نفسه الإنتقام المهول و قد دنا منه القدرالمقدر عليه و عن قريب يحل به ما إستحقه من العذاب المهين ، أما أنتم ياشعب المغاربة إعلموا و تأكدوا يقينا أني لست آتيا لأجل محاربتكم فعليكم أن لا تزالوا آمنين و مطمئنين في أماكنكم ، و كل ما لكم من الصنائع و الحرف براحة سر ، ثم إني أحقق لكم أنه ليس فينا من يريد يضركم لا في مالكم و لا في أعيالكم ، و مما أضمن لكم أن بلادكم و أراضيكم و بسلتينكم و حوانيتكم و كل ما هو لكم صغيرا كان أو كبيرا يبقى على ما هو عليه و لا يتعرض لشيىء من ذلك جميعه أحد من قومنا بل يكون في أيديكم دائما فآمنوا بصدق كلامي ، ثم إننا نضمن لكم أيضا و نعدكم وعدا مؤكدا غير متغير و لا متأول أن جوامعكم و مساجدكم لا تزال معهودة معمورة على ما هي عليه الآن .."
    3/ الأسباب الإقتصادية :
    إلى جانب العوامل السالفة الذكر هناك من العوامل الأخرى التي ساهمت في دفع فرنسا لإحتلال الجزائر منها العوامل الإقصادية و هي كثيرة و متنوعة ، منها جعل الجزائر مستعمرة تنقل إليها الأموال بغرض الإستثمار ، و تنقل منها الصنائع و المنتوجات التي لا يمكن إنتاجها في فرنسا ، هذا فضلا إلى جلب المواد الأولية الضرورية للإسهام في الصناعة ، كذلك جعل الجزائر مستوطنة خصبة تجلب إليها الأعداد الكثيرة من الفرنسيين و حتى الأروبيين ، و ذلك بغرض الإستيلاء على أجود الأراضي الزراعية و فلاحتها ، هذا إضافة إلى البحث على تصدير البرجوازية الفرنسية التي وصلت إللا السلطة خلال قيام الثورة الفرنسية ، و تأههيلها ماديا .
    و كانت الأسواق هي الأخرى مثار إهتمام البرجوازية الفرنسية بغرض التصدير للمنتوج الفرنسي الفائض إلى الجزائر و البلدان المجاورة لها ، و كانت الفلاحة من بين الإنشغالات التي دفعت بالرأسمال الفرنسي بالتركيز على ارض الجزائر لما تملكه من خصائص مناخية هامة تساهم في تنويع المحصول الفلاحي لتقارب المناخ المتوسطي مع جنوب فرنسا وإمتلاك الجزائر لمناخات أخرى قارية و شبه جافة و صحراوية وكل ذلك نوع لها لاحقا من الزراعات و تنوع الحوامض و البقول و الفلاحة الصحراوية التي مدت لها السكة الحديدية بغرض تسويق الإنتاج إلى أروبا و تغطية السوق الفرنسي .
    هذا ناهيك على ما تملكه الجزائر من الثروة السمكية وبالخصوص المرجان فس سواحل القالة و غيرها من موانىء الصيد ، و التي لم تكن غريبة عن فرنسا بعد أن تحصلت على معاهدة الإمتيازات و صيد السمك في موانىء القالة من جراء المعاهدة التي أبرمتها مع السلطان العثماني سليمان القانوني و ملك فرنسا فرنسوا الأول ، و لعلما يوضح الأهمية الإقتصادية الدافعة للإحتلال ما تضمنه تقرير تونير الذي كان في أهميته يشبه إللا حد كبير تقرير الجاسوس الفرنسي بوتان ، و قد وصف التقرير الحالة الإقتصادية التي كانت عليها الجزائر ، و التي تغري أصحاب رؤوس الأموال و المصالح التجارية ، و قال في ذلك الشأن أن المصالح المالية و خزينة الدولة كانت بها ما يزيد عن 150 مليون فرنك ، و أن بالجزائر موانىء عديدة و سهولا خصبة زراعية ، و غابات كثيفة صالحة لبناء السفن ، كما توجد مناجم و مواد أولية تزخر بها الجبال في مناطق عدة من الجزائر ، و في نفس الوقت دغدغ عواطف العسكريين حينما أوصى بإقامة مستعمرات عسكرية فرنسية في الجزائر .
    و هناك مشروع آخر تقدم به أحد النواب في البرلمان الفرنسي و قد نادى به صاحبه بإقامة مستعمرات عسكرية شبيهة بما فعل الرومان في الجزائر ، و بدعوة الأروبيين أن يتوجهوا إلى الجزائر بدل الهجرة إلى أمريكا . و قال صاحب هذا المشروع إن إحتىل الجزائر سيعوض فرنسا عما فقدته في منطقة الراين و الألزاس و يغنيها عن شراء بعض البضائع مثل التبغ و الحرير و السكر و الزيت و القطن .
    4/ الدوافع الدينية :
    لعل من بين الدوافع الأخرى التي حفزت الإحتلال الفرنسي للجزائر العامل الديني و خدمة المسيحية ، و نشرها في شمال إفريقيا ، و ما الصراع الذي دار في المتوسط منذ سقوط دولة الموحدين إلى بداية الإحتلال إلا صورة عاكسة لذلك . و قد فهم الفرنسيون أن سقوط الجزائر يعني سقوط قلعة إسلامية و عودة الديانة المسيحية إلى ديارها و قد خطب شارل العاشر في جنده عشية الإحتلال و حثهم قائلا : إن الإستيلاء على الجزائر يعني إنتصارا للمسيحية جمعاء . و قد دلت الكثير من الدلائل أن ما إقترفه الفرنسيون مباشرة بعد سقوط العاصمة و ما قاموا به من إهدار ضد الديانة الإسلامية لدليل على ذلك البعد الدفين لضرب الإسلام و المسلمين ، ففي اليوم الموالي لدخول مدينة الجزائر الموافق ل 11يوليو1830 أقاموا إحتفالا دينيا ضخما في الساحة الرئيسية للقصبة حضره الجنرالات و الضباط و الجنود يتقدمهم دوبورمون ، و قد روى أحد الفرنسيين المعاصرين نشوة الإنتصار بقوله : " إن الإحتفال الضخم جرى في القصبة التي بناها أبناء محمد "ص" لمواجهة أبناء عيسى ، و قد رتلوا آيات الإنجيل بأصوات عالية أمام آيات القرآن التي أصبحت ميتة و التي كانت تغطي كل الجدران "
    و إعتبر الفرنسيون أن الجنود الذين ماتوا في الجزائر شهداء المسيحية ، و قد إتضح ذلك جليا في كتابات أحد الفرنسيين و المدعو بوجولا و هو يكاد ينفجر بإنتصار الصليب على الهلال في أرض الجزائر و يعلن أن الفرنسيين قد علقوا الصليب على ثلاث مآذن في مساجد الجزائر ، و في نظره أن قتلى الحملة من الفرنسيين هم شهداء الحضارة و الوطن و المسيحية و إعتبر أن دماءهم قد وطدت دعائم الكنيسة المسيحية في الجزائر ، و قد دعا إله القديس لويس بتعويضهم على أرواحهم التي أزهقت من أجل المسيحية.
    5/ فرض الحصار على البحرية الجزائرية سنة 1827 :
    بعد عملية الصراع الفرنسي البريطني و فشل هذه الأخيرة في فرض سيطرتها على منطقة شمال إفريقيا ، غيرت من تعاماها مع الجزائريين بغية إضعاف القوة الفرنسية ، و ذلك من بين العوامل التي عجلت بفرنسا لضرب الحصار على سواحل الجزائر ، ففي 15 جوان من سنة 1827 أمر ملك فرنسا شارل العاشر بأن تحاصر سواحل الأيالة الجزائرية حصارا شديدا ، و لا يرفع عنها إلا عندما يقوم الداي حسين بترضية فرنسا و بتقديم الإعتدارات اللازمة لها عن فعلته تجاه القنصل الفرنسي دوفال في قضية المروحة بيوم 29 أفريل من نفس السنة ، مه العلم أن قضية المروحة ما هي إلا حجة ملغمة لتبرير عملية لا تخفى أهدافها السياسية و العسكرية و الدينية و الإقتصادية كما سبق الإشارة إليها ، لأنه من غير المعقول أن تنفق فرنسا أكثر من مائة مليون فرنك فرنسي من أجل التلويح بالمروحة على ممثلها الديبلماسي .
    و هكذا إستمر الحصار بدل الحملة ، و كان الفرنسيون يهدفون من ورائه إلى قطع التموين على الجزائر ، و كان أسطولهم المحاصر يتكون من 12 سفينة بحرية مهمتها مراقبة الموانىء الجزائرية ، و كانوا يوقفون بعض السفن المشبوهة و يحتجزون بعض السفن الأخرى ، و لكن الحصار لم ينه عمليات القرصنة و بالتالي لم ينجح .و في 3 أكتوبر وقعت معركة بين الطرفين و دامت حوالي أربع ساعات و لم تسفر عن نتيجة لكل من الطرفين .
    و في 4 جانفي من سنة 1828 فتحت فرنسا المفاوضات من جديد مع الجزائر هادفة على إلغاء الحصار بطريقة مشرفة و مد جسور التعاون من جديد مع الأيالة ، و في 29 أفريل من نفس السنة زارت الجزائر بعثة فرنسية بقيلدة بيزار للتفاوض مع الداي ، و الظاهر أن هذه البعثة فشلت في التفاوض بسبب إصرار الداي على عدم دفع التعويضات لفرنسا ، و عاودت فرنسا الكرة من جديد و أرسلت وفدا للتفاوض برئاسة بيزار لكن الشروط الفرنسية يبدو أنها كانت تعجيزية لأنها طلبت من الجزائر إرسال وزيرا من حكومتها لفرنسا ليقدم الإعتذار و يقوم بدلك بعد أن توقع معاهدة صلح مع فرنسا .
    و أمام هذه المحاولات المتعددة في التفاوض الدي باء بالفشل عاد الفرنسيون مرة أخرى إللا التفكير في الحملة ضد الجزائر ففي صيف 1828 كلف وزير الحربية الجديد دى كو لجنة خماسية لدراسة المسائل المتعلقة بالحملة على الجزائر و تقديم خطة كافية لتعيين الوسائل و الضروريات لعملية التنفيد ، و مما قامت به هذه اللجنة جمع كل الأخبار و الدراسات على الجزائر منذ 1628إلى 1808 ، و كان رأي اللجنة تقريبا هو ما ذهب إليه بوتان و تونير ، و كان في تقديرها أن تغادر الحملة ميناء طولون في منصف أفريل ، كما قدرت تكاليف الحملة ب25 مليون فرنك ، كما توقعت أن تكون هناك معركة بين القوات الفرنسية و جيوش الداي .
    و تقول بعض الدراسات أن البرلمان الفرنسي عارض سياسة وزارة الحربية كما وقف عند خسارة الحصار البحري و كذا الظروف الدولية الغير مناسبة ، وطالب من الحكومة اللجوء مرة أخرى للتفاوض بذلا من القوة العسكرية و كان ذلك سنة 1829 و أرسلت الضابط العسكري المدعو دى ننرسيا في مهمة إلى الجزائر للتفاوض مع الداي ، و لم تخرج فرنسا عن مألوفها و هو ضرورة الإعتذارلكن الداي أصر على موقفه الرافض لذلك و إعتبره تنازلا منه لفرنسا .
    و مع تطور الأحداث في فرنسا و تغيير سلم السلطة ووصول دى بولينيكإلى رئاسة الوزارة في أواخر 1829 وكانت له مشاريع توسعية في الضفة الجنوبية للمتوسط و حتى في أروبا و بلاد الشرق قد زاد من الهوة بين الجزائر و فرنسا خصوصا بعد تغيير وزير البحرية و تنصيب البارون دى هوسي الذي كان يرى ضرورة الإسراع في الحملة على الجزائر في ربيع 1830 .
    و قد نشرت جريدة المونتور الفرنسية في عددها الصادر يوم 20 أفريل من سنة 1830بيانا توضيحيا تضمن جملة من أغراض الحصار البحري الذي فرض على الجزائريين بعد أن أخطأ الداي في شرف فرنسا و تعنت لرأيه كما ذكرت أيضا بعض الأخطاء التي تراها في سياسة داي الجزائر نذكر منها :
    1/ أنه لم يعاقب أهالي مدينة عنابة الذين قاموا سنة 1818 بمهاجمة السفينة الفرنسية لوفورتني .
    2/ أن الداي رفع الإتاوة السنوية التي كانت تدفعها المؤسسات الفرنسية المستغلة لموانىء الشرق الجزائري .
    3/ أنه أجاب الأميرالين الفرنسي و الأنجليزي اللذين جاءا يقدمان له سنة 1819 مقررات مؤتمر إكس لا شبيل ، بأت له الحق في إستقرار رعايا جميع الدول التي لا تقيم معها علاقات ودية ، و التي لايكون لها تمثيل ديبلوماسي في بلاده .
    4/ أن الداي صرح للقنصل الفرنسي أمام الملاء بأنه لم يسمح لفرنسا بأن تنصب و لو مدفعا واحدا على الأراضي الجزائرية، و أنه لم يعد يعترف للفرنسيين بغير الحقوق التجارية التي يتمتع بها الأروبيون الآخرون .
    5/ أنه أرسل برقية شديدة اللهجة إلى الحكومة الفرنسية يطالب فيها بالديون التي هي في ذمة فرنسا .
    6/ أنه أمر سنة 1825 بتفتيش مقر المؤسسات الفرنسية في عنابة بحثا عن الأسلحة المحظورة التي كان التجار الفرنسيون يبيعونها إلى سكان الشرق الجزائري .
    7/ أنه أذن في سنة 1826 لجميع الأمم بصيد المرجان على ساحل الأيالة ، و قد إعتبر الفرنسيون هذا الإجراء تعسفا في حقهم و يحرمهم من أحد الإمتيازات التي ظلوا يتمتعون بها منذ أكثر من ثلاثة قرون .
    و لعل المتتبع لطل هذه الإدعاءات يجدها شبه باطلة في محتواها ، لأن فرنسا أصبحت تبحت على الدرائع أكثر منها من الحقائق التاريخية ، و ما أجرى عليه الداي من حفظ اسيادة الدولة و الأمر بمراقبة المؤسسات الفرنسية يندرج في إطار المعاهدات المبرمة بين الطرفين منها إتفاقية 1817 التي تنص على ذلك و هي في نظر الداي جزء من السيادة الوطنية ، أم خشونة الداي في تعامله مع القنصل الفرنسي كان طبيعيا بعد رفض السلطة الفرنسية في تسديد الديون بل عدم الإعتراف بها.
    و برغم ذلك كله فإن الحصار الذي ضرب على الجزائر قد ترك جملة من النتائج يمكن ذكرها في النقاط التالية :
    1/ ساد الأيالة جو من التوترساهم في تعطيل الموارد الإقتصادية المختلفة .
    2/ تعطيل الموانىء الجزائرية و الإهتمام بالحرب، وكل ذلك أثر سلبا على الميدان الزراعي لدى الفلاحين الذين نقص تصدير منتوجهم من الحبوب للخارج .
    3/ أنه فتح آفاقا جديدة للمسيحية بدخولها لشمال لإفريقيا و محاربتها للإسلام .
    4/ وضع حدا للتنافس الفرنسي البريطاني الذي ظل قائما منذ أمد طويل حول التمركز و الوصول لإحتلال الإيالة و الأستفادة من خيراتها الإقتصادية و موقعها الجيو إستيراتيجي .
    وهكذا ففي جلسة 30 جانفي من سنة 1830 قرر مجلس الوزراء الفرنسي بعد دراسة إستغرقت أربع ساعات الأتفاق على الشروع في الحملة على الجزائر ، و في 7 فبرلير أقر الملك الفرنسي شارل العاشر مشروع الحملة ، و أصدر لذلك مرسوما ملكيا بتعين الكونت دي بورمون قائدا عاما للحملة ، و الأميرال دوبيري قائدا للأسطول البحري ،ووقتها بدأت الإستعدادات الرسمية لتنفيذ المشروع ال‘ستعماري الذي دام بقائه في الجزائر أزيد من قرن و نصف كله إستغلال ونهب وخدمة مستقبل فرنسا في الجزائر .

    الممادر و المراجع المعتمدة في المحاضرة :
    1/ أبو القاسم سعد الله ، الحركة الوكنية الجزائرية ، الجزء الأول ، القسم الأول ، ط1 ، المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر 1992 .
    2/سعد الله ، محاضرات في تاريخ الجزائر الحديث ( بداية الإحتلال ) ط3 ، الشركة الوطنية للنشر و التوزيع الجزائر 1982 .
    3/ سعد الله ، أبحاث و آراء في تاريخ الجزائر ، القسم الأول ، ط2 ، الشركة الوطنية للنشر و التوزيع الجزائر 1981 .
    4/العربي الزبيري ، مدخل إلى تاريخ المغرب العربي الحديث ، ط2 ، الشركة الوطنية للنشر و التوزيع الجزائر 1985 .
    5/أحمد توفيق المدني ، كتاب الجزائر ، ط2 ، المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر 1984 .
    6/ حمدان بن عثمان خوجة ، المرآة ، ترجمة العربي الزبيري ، ط2 ، الشركة الوطنية للنشر و التوزيع الجزائر 1982
    7/مجاهد مسعود ، تاريخ الجزائر ، الجزء الأول ، بدون إسم المطبعة و لا سنة الطبع .

    المحاضرة الثالثة :
    الحملة الفرنسية على الجزائر 1830.
    في يوم 30 جانفي 1830 قررت الحكومة الفرنشية برئاسة بولينياك بشن الحملة العسكرية على الجزائر .و في يوم 4 فباير أقر شارل العاشر مشروع الحملة ، و أصدر مرسوما ملكيا بتعيين الكونت دى بورمون قائدا عاما للحملة ، و الأميرال دو بيري قائدا للبحرية ، و منذ ذلك التاريخ بدأ الفرنسيون بتجهيز الحملة بصفة رسمية ، و حتى تكون مستعدة مع أواخر شهر ماي و أوائل شهر جوان على الأكثر خاصة لصلاحية الملاحة في البحر المتوسط ،
    و هكذا صدرت الإدارة الفرنسية بتكوين ثلاثة لجان لإعداد الحملة ، يعمل كل واحد منها منفردا ُم تجتمع سويا برئاسة بولينياك ، و تقدم تقارير عن أعمالها أمام مجلس الوزراء ، و في يوم 2 مارس أعلن الملك عزمه على مهاجمة الأيالة مدعيا أن هذه الحملة لم تكن إلا إنتقاما للداي حسين عن الإهانة التي لحقت بالشرف الفرنسي ، و أوضح أن ذلك العمل يخدم الصالح العام بما فيه العالم المسيحي .
    كما إستغلت الصحافة اليمينية المتطرفة هذه التصريحات و أخذت تكرر أتهامات فرنسا للداي، وعملت على الرفع من الروح المعنوية للجيش الفرنسي و ذكرت أن الجنود الفرنسيين سينتقمون لكرامة التاج ، و سيخلصون فرنسا و كل الدول المسيحية من إستعباد رعاياها ، و يبطلون الإتاوات التي كانت مفروضة عليهم من قبل الداي ، هذا فضلا على توقيف القرصنة التي كانت تهدد التجارة و الأمن الأروبيين في البحر الأبيض المتوسط ، و من ثم تمت الإستعدادات و التجهيزات لإنجاح الحملة .
    و لإنجاح ذلك المشروع الإستعماري إجتمعت القوات البرية و البحرية و نسقت فيما بينها لترتيب شؤون الحملة من معدات و دخيرة ، و كان ذلك في المنطقة الواقعة بين ميناء طولون و مرسيليا ، و قد المؤرخون مجموع عساكر الحملة ب 37.600 جندي و 45000 حصان و 91 قطعة مدفعية ، دكما وصل عدد قطع الأسطول إلى 600 سفينة . و تجدر الإشارة هنا إللا أن الحملة قد إشتملت على بعض الضباط و الجنود اللذين خدموا في جيوش نابليون ، و ظلوا يحلمون بعظمة فرنسا و إمبراطوريتها ، و كان بعضهم من الموالين لللآراء الملكية ، و من رجال لويس الثامن عشر و شارل العاشر و المقربين .كما إشتملت الحملة أيضا على بعض الجنود الذين في الحملة الفرنسية على مصر .
    و كان الهدف من تكوينها بهذا الشكل هو تقريب وجهات النظر بين فصائل الجيش الفرنسي بين التوجه الإمبراطوري و المالكي منذ سنة 1815 ، و جعل هؤلاء العسكريين يفكرون في مهمنهم بذلا من التفكير فيما آلت إليه فرنسا بعد سقوط نابليون ،و للرفع من معنويات الجند الفرنسي وقتها عقد تجمع هام في ميناء طولون قبل إقلاع القوات و توجهها إلى الجزائر ، وقام ولي العهد الفرنسي بتفتيش القوة المعدة للحرب، و كانت الرحلة بطيئة بسبب الرياح الغير مساعدة ، و لذلك إضطرت الحملة للعودة إلى جزر البليار بالمتوسط بعد أن كانت قد وصلت إلى السواحلالإفريقية في أواخر شهر ماي ، و بقيت في البليار حتى يوم 9 جوان ، ثم رجعت إللا السواحل الجزائرية يوم 12 من نفس الشهر ، و بعد وؤية الجنود الفرنسيين لمدينة الجزائر تردد الأميرال في الذهاب و الرسو عند منطقة سيدي فرج .
    و وقتها أمر الجنرال دوبورمون قائد القوات البحرية و البرية جنده بالرسو في الحال ، و تمت عملية إنزال الجنود في الخليج الغربي لشبه جزيرة سيدي فرج ، و إستمرت عملية إنزال المدفعية و المعدات الحربية ، و خلالها قام الفرنسيون بتحصين شبه الجزيرة و جعلها قاعدة عسكرية لجندهم تشمل مخازن المؤونة و المعدات و المستشفيات ، وواجه الفرنسيون ردود فعل جزائرية تجلت في معارك ثلاثة في منطقة اسطوالي و مصطفى والي و سيدي خالف و قلعة السلطان .
    و كانت الأولى أهم هذه المعارك و أشدها وطيسا ، و إشترك فيها ما يقرب من 6000 جندي جزائري بقيادة إبراهيم آغا صهر الداي حسين ، و باي قسنطينة و حاول إبراهيم آغا أن يفصل مسيرة الفرنسيين عن بقية قوتهم بمنطقة سيدي فرج ، و قد هاجم هجوما عاما على الخطوط الفرنسية يوم 19 يونيو ، و لإشتدت الهجومات على القوات الفرنسية لكن المعركة خلصت لصالح الفرنسيين ، و حسب رأي الكثير من المؤرخين أن سبب هزيمة الجزائريين يعزى إلى تصرفات الداي غير الرشيدة ، حيث أصدر القيادة إلى صهره آغا إبراهيم الذي لا يعرف أي شيىء في الشؤون العسكرية و ليست له خبرة في شؤون الحرب ، و كان ممكنا للداي حسين أن ينجح في المقاومة لو أنه إلتزم ببعض الأمور منها :
    1/ عدم إمهال القوات الفرنسية التي نزلت إلى البحر حتى تكتمل لأن ذلك كان من أسباب رجحان كفتها و تمكينها من التمركز .
    2/ إسناد القيادة لمن هو أهلا كباي قسنطينة مثلا الذي أ ظهرمن ملاحظاته و إنتقاداته على خطط إبراهيم آغا ، و أن الباي أحمد كانت له مقدرة و جدارة في الميدان القتالي و العسكري .
    و على أية حال فإن الفرق كان واضحا بين الفرنسيين و الجزائريين في التكوين و التسليح و المقدرة و المهارة العسكرية ، ذلك أن الجزائريين كانوا يعتمدون على الشجاعة و الكد و الفر السريعي الحركة ، أي أنهم كانوا يعتمدون على مرونة حركاتهم كما إعتمدوا بنادق كانت أقدم من بنادق الفرنسيين ، و إعتمد بعضهم على السيوف في الوقت الذي إعتمد فيه الفرنسيون على خطوط منتظمة تعززها نيران المدفعية مكنها من الثبات في الخطوط بعد توظيفها للأسلحة الحديثة . و هكذا إنتصرت الأسلحة و التكتيك على الشجاعة و المرونة في الحركة .
    سقوط العاصمة و توسع الغزو في البلاد
    هكذا إذا أصبح على سكان مدينة الجزائر العاصمة أن يستعدوا للدفاع عن مدينتهم و في يوم 25 جوان عزز الفرنسيون من إمكاناتهم القتالية بالمعدات الكافية لمحاصرة مدينة الجزائر ، بعد أن كانوا قد أنشئوا طريق حربي يصل سيدي فرج بأسطاوالي .، و في يوم 28 من نفس الشهر إجتمعت قوة الفرنسيين و أخذت تزحف في إتجاهات مختلفة نحو قلعة القصبة ووجهت نيرانها صوب برج مولاي الحسن ( قلعة الإمبراطور ) الذي كان يحمي قلعة القصبة بإعتبارها مركز و مقر حكومة الداي حسين ، و كان ذلك يوم 3 جويلية من نفس السنة و لم ينتهوا عن قذفه حتى أسكنوا كل المدافع التي كانت منصوبة فوقه .
    و تحرج الموقف في المدينة و إنتشرت الفوضى العارمة ، و تأزمت الحالة بين الداي و سكان العاصمة ، و كان من رأي الداي أن يستمروا في المقاومة ، و لكن كثيرا من الناس ألحوا عليه و هددوا بإجابة طلب الفرنسيين و الحوار معهم ، و أمام توسع الهوة بين الداي و عشيرته أرسل الباشا كاتبه مصطفى يعرض على دى بورمون مشروع الصلح بالشروط التالية
    1/ يتنازل الداي عن كل الديون التي له على فرنسا.
    2/ يدفع الداي نقدا كل ما يطلبه منه للإعتذار على حادثة المروحة .
    3/يعيد للتجارة الفرنسية جميع إمتيازاتها.
    4/ يدفع لفرنسا جميع نفقات الحملة .
    و لكن دي بورمون قائد الحملة الفرنسية رفض هذه العروض و أمر و أصر على ضرورة تسليم الحصون و الميناء و القصبة له، ومن ثم كشف للداي عن مقدرته ، مما دفع بالداي من جديد إلى بعث وفد آخر للتفاوض كان من بين رجاله أحمد بوضربة و حمدان بن عثمان خوجة ، و قدمت المجموعة المفاوضة للقائد الفرنسي رأي الداي ، لطن دي بورمون إمتنع عن ذلك و طلب بتسليم المدينة فورا و قدم جملة من الشروطالإضافية منها :
    1/أن يسلم الداي للقوات الفرنسية قلعة القصبة و الميناء و حصون المدينة كلها و أبوابها في الصباح أي يوم 5 جويلية .
    2/ يتعهد القائد العام بحفظ حياة الداي و حيازته لجميع ممتلكاته الشخصية .
    3/يختار الداي بعد ذلك بين البقاء في المدينة مع أسرته في حماية القائد العام ، أو يرحل بهبمن يلوذ به إلى المكان الذي يراه مناسبا له .
    4/يقر القائد العام لجميع الجنود الأتراك نفس الحماية من دون تعرضهم لأي أذى .
    5/ يتعهد القائد العام بشرفه أن يحفظ حرية الديانة الإسلامية و أملاك الأهالي .
    و أمام ضعف الداي و هزيمته العسكرية و الديبلوماسية و إنهياره النفسي لم يجد أمامه سوى الرضوخ لهذه الشروط المجحفة في حقه، ووقع معاهدة الإستيسلام مع القائد الفرنسي المنتصر و ذلك يوم 5 جويلية على الساعة العاشرة صباحا و سلم مفاتيح المدينة و خزائنها لفرنسا ، و في يوم 10من نفس الشهر غادر هو الجزائر إلى نابولي فالأسكندرية حيث قضى فيها بقية عمره حتى توفي سنة 1838 ، و برحيل الداي حسين عن الجزائر رحل معظم جنود الأتراكعن البلاد إما خيارا أو قصرا كما نرى لاحقا .
    أما القوات الفرنسية فبمجرد أن دخلت المدينة وضعت يدها على خزائن الداي و الدولة بعد أن نالت منها يد السلب و النهب من قبل الجنود و الضباط و قد المؤرخون قيمتها وقتئذ ب100 مليون فرنك ، ثم هبط العدد إلى 48 مليون ، و ذلك ما أثار الشكوك لدى إدارة دوبورمون و كون لذلك لجنة خاصة للتقصي و معرفة الحقيقة ، و لكنه أقفل الموضوع حرصا على سمعته و سمعة فرنسا التي قالت للرأي الدولي أنها جاءت للجزائر للثأر من الداي لا غير .
    و مع ذلك إقترح قائد الحملة أن تقسم الأموال على الجنود و الضباط ، كما يكافئون بتوزيع عليهم الأراضي و إبعاد أصحابها منها ، و لو أن الحكومة الفرنسية رفضت الفكرة . و قد بعث قائد الحملة إلى خزينة فرنسا مامقداره 43 مليون فرنك كتعويض على نفقات الحملة ، و إحتفظ ب 5 ملايين لتسيير الإدارة . و من هنا يتضح جلاء الهدف من الحملة الفرنسية على الجزائر سنة 1830 ، إذ أن هذه الحملة قد إرتبطت بعوامل سياسية و إقتصادية و إجتماعية و دينية صليبية.
    و مما سبق ذكره نجد أن حادثة المروحة التي ضخمته الإدارة الفرنسية لتحقيق أهدافها التوسعية بشهادة أكبر الساسة الأروبيين محافظية و رجعية في ذلك الوقت إلا سببا واهيا ، فهذا الزعيم ميترنيخ رئيس وزراء دولة النمسا الذي كان من أكبر المحافظين الرجعيين يقول في ذلك الصدد أنه لا يعارض أكثر من 40 ألف رجل للموت و ينفق أكثر من مليون فرنك من أجل لطمة مروحة و الواقع أن فرنسا قد فقدت مستعمراتها الواسعة في كندا بأمريكا الشمالية ، و كذلك في مصر و الهند بآسيا و إفريقيا ، وبدلك زين لها ساستها أنه يتم تعويض ذلك النقصان بإحتلال الجزائر التي تحتوي على نوافع مادية ضخمة ، كما تحصل على خزائن الدولة المملوءة ذهبا و خيرات واسعة كما تجعل من الجزائر موطنا لتصدير الفائض من سكانها الغير مرغوب فيهم ببقائهم في فرنسا من المجرمين و حتى المعارضة ، كما تجعل من مناطق نفوذها بالجزائر سوقا لمنتوجاتها الصناعية و موردا هاما اابحث على الأيدي العاملة الرخيصة و الموارد الغير متوفرة في فرنسا.
    وبرغم نشوة الإنتصار و الوصول إلى تحقيق الغاية الفرنسية المتمثلة في الغزو و التوسع في الخارج و بناء أبراطورية جديدة ، إلا أن ذلك لم يرق كل الفرنسيين و ظهرت المعارضة بشكل قوي مما أطاحت بشارل العاشر بعد قيامها بثورة جويلية الباريسية سنة 1830 ، و من ثم فقد أسقطت هذه الثورة الحكومة ،كما أحدثت آثارا خطيرة في العلاقات الدولية و في مركز فرنسا نفسها ، ومما يلاحظ أيضا توقف بريطانيا عن معارضتها المألوفة و خصومتها المعهودة لفرنسا فيما يخص القضية الجزائرية .
    وكل ذلك جعل من السلطة الفرنسية الجديدة أن تحول الرأي العام الفرنسي ‘لأى النظر في مشكلة الجزائر من زاوية المصلحة الفرنسية الإستعمارية و التمسك بالإحتلال التدريجي ريثما يتم التوسع ، و قد عرفت هذه الفترة حتى 1834 ما يعرف بمرحلة التريث .ولو أنها لم توقفالتوسع منذ إستسلام القصبة و تسليم مفاتيح خزائنها ، وبذلك يمكن القول أن الإدارة الجديدة إختارت سياسة التوسع و السيطرة على الأراضي المجاورة للعاصمة وخصوصا أراضي منطقة متيجة برغم المقاومة الشعبية التي لم تنقطع .
    و الخلاصة من هذا كله أن الإستعمار الفرنسي في الجزائر لم يكن بغتة ، بل كان وفق خطة و منهجية مدروسة منذ قرون خلت ، و إتضح ذلك في مطالبة فرنسا دوما من الايالة الحفاظ على إمتيازاتها في السواحل الجزائرية دون غيرها من الدول الأخرى المنافسة لها .كما أن الإحتلال جاء سهلا بسبب الضعف السياسي و العسكري و الإ قتصادي الذي كانت تعاني منه الجزائر في أواخر المرحلة العثمانية من جهة و من جهة أخرى قوة فرنسا و بناء نفسها من جديد بغية إستعادة ما ضاع منها في المستعمرات الأخرى سواء في العالم الجديد أو في آسيا
    و بالفعل فقد عوضت فرنسا من جراء إحتلالها للجزائر كل ذلك ، و ما وجدته في خزينة الداي حيبن عوض لها تكاليف الحملة ، بل مسح لها الديون التي كانت عليها للجزائر، و أصبحت فرنسا المنتصرة على الجزائر المهزومة لأن الداي فضل المنفى في الإسكندرية و ترك وقتها الشعب الجزائري تحت نير الإيتعمار الفرنسي الذي دام بقاؤه في الجزائر أزيد من القرن و النصف وكانت الجزائر إحدى جوهراته الإستعمارية .
    المصادر و المراجع المعتمدة في المحاضرة :
    1/ حمدان بن عثمان خوجة ، المرآة ، تعريب محمد العبي الزبيري ، ط2 ، المؤسسة الوطنية للنشر و التوزيع الجزائر 1982.
    2/وليام شالر ، مذكرات وليام شالر قنصل أمريكا في الجزائر 1816/1824 ، تعريب إسماعيل العربي ، الشركة الوطنية للنشر و التوزيع الجزائر 1982 .
    3/أرجمند كوران ، السياسة العثمانية تجاه الإحتلال الفرنسي للجزائر 1827/1847 ، تعريب عبد الجليل التميمي ، ط2 ، تونس 1974
    4/ أبو القاسم سعد الله ، الحركة الوطنية الجزائرية، القسم الأول ، ط1 ، المؤسسة الوطنية للكتاب 1992 .
    5/ سعد الله ، أبحاث و آراء في تاريخ الجزائر ، الجزء الثاني ، ط1 ، المؤسسة الوطنية للكتاب 1986 .
    6/ جمل قنان ، نصوص ووثائق في تاريخ الجزائر الحديث ، ط1 ، المؤسسة الجزائرية للطباعة الجزائر 1987 .
    7/ محمد المهدي بن علي شغيب ، أم الحواضر في الماضي و الحاضر ، تاريخ مدينة قسنطينة ، ط1 ، مطبعة البعث قسنطينة 1980
    8/ المتحف الوطني للمجاهد ، مجلة الذاكرة ، العدد 3 ، الموافق ل خريف 1995 .

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة مارس 29, 2024 12:34 am